
إنسانية الفن
حروف مبعثرة | خضر مسعود
الإنسانية لا تحتاج إلى شهرة لتظهر للعامة، لكنها تعبّر عن نفسها بالأفعال التي تعود بالنفع على المجتمع، أيًّا كان هذا المجتمع. وفي الوسط الفني السوداني، ظهرت العديد من الشخصيات الإنسانية من خلال ما قدّمته للمجتمع في محنته الحالية.
في الفلسفة، تُعرَّف الإنسانية بأنها موقفٌ ديمقراطيٌّ وأخلاقيٌّ يؤكّد على حق البشر ومسؤوليتهم في إضفاء معنى وشكل على حياتهم. وهي تدعو إلى بناء مجتمعٍ أكثر إنسانيةً من خلال أخلاقٍ قائمةٍ على القيم الإنسانية والطبيعية الأخرى، بروح العقل والبحث الحرّ، مستندة إلى القدرات البشرية.
هناك شخصيات استحقّت عن جدارة ألقاب وأوسمة الإنسانية. ونحن هنا لا نقلّل من شأن أحد، لكننا نسلط الضوء على بعض النماذج التي ملأت الساحة بأعمالٍ جميلة تنضح بالنبل والكرم والعطاء. ففي ظل الحرب العبثية التي دمّرت البلاد وأرهقت العباد، قدّم العديد من الفنانين والمبدعين أعمالًا إنسانية تعكس روح السودانيين في التعاون والمساندة والتعاضد.
ليس للحصر، ولكن نذكر الفنان طه سليمان والفنان عاطف السماني، اللذين قدّما نموذجًا لإنسانية الفن وتأثير الفنان في مجتمعه. فقد ظل هذان الفنانان المبدعان حاضرين بين الناس، يقدّمان المساعدات الغذائية والخدمات الضرورية لمن يحتاجها. وفي وقتٍ انقطعت فيه سبل العيش للكثيرين، كانت مبادراتهما مثالًا حقيقيًا على أن الفنان يمكن أن يكون جزءًا من الحل، لا مجرد متفرج على المعاناة.
شاهد الجميع الفنان طه سليمان في منزله وبين أهله وجيرانه، يخدم بيديه في التكايا، ويقدّم الطعام والغذاء والعون للمحتاجين. وبذلك، ارتقت مكانته إلى مستوى أسمى، متجاوزًا شهرته الفنية التي تشهد لها ليالي المسارح والصالات الكبرى بالخرطوم. واستمرارًا لعطائه، ظهر قبل أيام في أحد مساجد شمبات، وهو يجرّب أجهزة الصوت (الميكروفونات) التي جلبها من القاهرة ضمن مبادرته، بعد أن عاث تتار العصر فسادًا في كل ما هو مقدّس ومحرم، ولم تسلم من أيديهم بيوت الله. فكان أن قدّم هذا النبيل “الميكروفونات”، ليعلو صوت الأذان صداحًا في مآذن شمبات.
أما الفنان عاطف السماني، فقد مضى إلى أبعد من مساعدة الناس، إذ رأوه يحمل السلاح دفاعًا عن الأرض والعِرض، عن تلك البلاد التي أحبها وأحبته، وغنّى لها أعذب الأغنيات. كان حاضرًا في ساحات الوغى، كما كان حاضرًا في إطعام الناس وإغاثتهم. فهل من تضحية وفداء أعظم من ذلك؟
تلك نماذج مشرّفة نرفع أكفّ الدعاء لها بأن يحفظها الله من كل مكروه، وأن يسدّد خطاها، فهم أبناء السودان وحملة شعلة الضياء والنور فيه. وما زلت عند رأيي بأن أهل الفن والثقافة هم الأقدر على قيادة دفة البلاد نحو السلام والمحبة والجمال.
حروف أخيرة
سائلين عليك كل العباد الجونا منك و المشو
يوماتي سيرتك أحلى زاد لي زول غيابك اوحشو
يتنسم الأخبار عليك ما السيرة ساكت تنعشو
سائلين عليك قمر السما المن جمالك فتنتو
الهي يرعنو النجوم شال من ملامحك نضرتو
اتهادى مابين النجوم بهرج جمالك طلعتو
سالتو ليه طال الغياب وين البنعشق طلتو