
شمس الفلاح
حروف مبعثرة – خضر مسعود
في بلادٍ احترقت بنيران الشتات، وارتجفت أطرافها تحت وقع الحرب، تشرق “شمس” من غرب دارفور، لترفع في علياء الوطن راية الكفاح والانتصار.
إنها شمس الحافظ عبد الله، الطالبة النابغة التي لم تُهزم رغم النزوح والتشريد، بل أحرزت المركز التاسع على مستوى السودان في امتحانات الشهادة الثانوية بنسبة 94.7%، في ظروفٍ لا يمكن تصورها، لولا إصرارٌ يتجاوز حدود الإمكان.
شمس.. هي الأولى في وجه الحرب، الأولى على الجراح، الأولى على المحن. لو كنت مسؤولًا، لمنحتها وسام الكفاح والإنجاز، فقصتها لا تنتمي فقط إلى صفحات التفوق، بل إلى فصول النضال النبيل.
من ولاية غرب دارفور، التي نكّلت بها آلة الحرب، إلى شرق تشاد، ومن هناك إلى مدينة الدامر بولاية نهر النيل، قطعت شمس مسافة تتجاوز 2000 كيلومتر. قطعتها وهي تحمل في قلبها آمالًا كبيرة بوطن لا يُهزم رغم الخراب.
خرجت شمس من تحت الركام، من بين أنقاض وطن يئن، لتقول للعالم: “ما زال في السودان نورٌ لا يُطفأ”. هي وأترابها بناة هذا الغد المنتظر، الغد الذي نحلم به، بعد سنوات وسنوات من اللا استقرار والضياع.
منذ استقلال السودان عام 1956، لم تنعم البلاد بالسلام الشامل. وها هي الحروب الجديدة، تتار العصر الحديث، يواصلون تمزيق ما تبقى من جسد الوطن. لكن رغم ذلك، لا تزال شمس وشباب هذا الوطن يقبضون على الجمر، حاملين راية التعليم.
شمس استطاعت أن تصل، ولكن آلافًا غيرها لم يتمكنوا حتى من بلوغ مراكز الامتحانات، لا في الأطراف فحسب، بل حتى في قلب البلاد. الحرب الملعونة حرمتهم، ومزيد من الألم قُدر لهم.
ورغم هذه التحديات، نجحت وزارة التربية والتعليم في إقامة الامتحانات داخل المناطق الآمنة، وهو إنجاز يُحسب لها. انقسم الناس بين مؤيد ومعارض لإقامة الامتحانات في ظل هذه الظروف، لكن الواقع يقول إن أكثر من 222 ألف طالب وطالبة جلسوا للامتحانات، وهو رقم كبير في زمن الحرب.
نعم، الحرب بطبيعتها تخلّف خسائر، لكن تقليل هذه الخسائر إنجاز. أن يجلس هذا العدد الكبير للامتحانات في وطنٍ يحترق، فذلك انتصار للعلم على الرصاص، وللأمل على الخراب.
لشمس وكل أمثالها، نرسل آلاف التهاني والتبريكات، فهم ليسوا فقط أبناء اليوم، بل هم عماد هذا الوطن غدًا. ومن هنا، نرفع نداءنا إلى قيادة الدولة، ووزارة التعليم العالي، وجامعة الخرطوم: تبنّوا هؤلاء، اصنعوا بهم ما لم تصنعه السياسة، فهم زينة الوطن وسنده.
فهم كما قال الكابلي في رائعته “قمر دورين”:
شمس الصباح.. والصباح رباح
شمسك يا وطني
طعم النجاح.. الزانو كفاح
طعمك يا وطني
حتى الجراح.. الزمانن راح
مهرك يا وطني
أهلي الفصاح.. أسياد الصلاح
درعك يا وطني
كل الملاح.. الجمالن فاح
زينتك يا وطني