المسيّرات… رسائل بلا رحمة

بقلم: نضال طبيق

إن استهداف الطائرات المسيّرة للولايات الآمنة في السودان يمثل تحولًا مرعبًا في طبيعة الصراع، وحربًا جديدة تُشن على آخر ما تبقّى من الطمأنينة في بلد أنهكته الحروب.
لقد كانت هذه الولايات — التي ظلّت لسنوات بعيدة نسبيًا عن نيران المعارك — بمثابة رموز للسلام، بقعًا مضيئة وسط دخان النزاعات. حافظت على شيء من السكون، ووفرت ملاذًا لآلاف النازحين، وبقيت شعلة أمل وسط العتمة. حتى جاء مشهد المسيّرات.

المسيّرات… تلك الطائرات التي تحمل الموت في بطونها، لم تعد تميز بين جندي ومدني، بين ثكنة ومنزل، بين ميدان قتال وحي سكني. إنها تضرب المدن الأكثر استقرارًا، وكأن المعتدين يريدون كسر إرادة الناس، وسلبهم آخر ما تبقى من الشعور بالأمان.
لكنهم يخطئون التقدير. فالشعب الذي ذاق مرارات الألم طويلًا، له إرادة لا تُكسر.
إنه الآن أمام اختبار جديد للصبر والشجاعة. لم يسمح للخوف أن يقتلع جذور الأمل من قلبه. بل تمسك بكرامته، ليصنع من تحت الرماد حياةً جديدة، تليق بحبه العميق لوطنه.

استهداف المدن عبر المسيّرات ليس عملًا عسكريًا عابرًا، بل هدم متعمد للمعنى الإنساني للسلام. حين تُقصف القرى التي لا تعرف من الحياة إلا بساطتها، وحين يتساقط الرعب فوق المدن التي فتحت ذراعيها للنازحين، فإن الأمر لا يعود مجرد قتال، بل يصبح حربًا ضد فكرة “الأمن” ذاتها.

في هذا الزمن، لم تعد المعارك تُخاض في خطوط الجبهات فقط، بل صارت تطارد أنفاس الناس في بيوتهم وأسواقهم وحتى لحظات نومهم.
المسيّرات لم تعد مجرد طائرات، بل تحوّلت إلى رسائل حقد، تقتل الأمل وتزرع اليأس.
تلك الوحوش المعدنية الطائرة… صادمة في قدومها، جارحة في ضرباتها، مروعة في نتائجها.
العدو لم يكتفِ بقتل الجنود، بل قرر قتل فكرة الأمان ذاتها.

دخلت الطائرات المسيّرة — أو “الدرونز” — بقوة في ساحة الحرب السودانية خلال الأشهر الأخيرة، خاصة في النزاع المتصاعد بين القوات المسلحة والدعم السريع. وقد شهدت ولايات كانت تُعد آمنة، مثل البحر الأحمر ونهر النيل والشمالية، هجمات متكررة بهذه الطائرات، مستهدفة بنى تحتية مدنية ومناطق آهلة بالسكان. وتثير هذه الهجمات قلقًا واسعًا، كونها تنقل الصراع من أطرافه العسكرية إلى قلب المناطق المدنية، مما يزيد من تعقيد الوضع الإنساني ويضع مزيدًا من الضغط على المدنيين الذين يعانون أصلًا من أزمات نزوح وخدمات وأمن متردٍ.