
من المسؤول عن الحرب في السودان؟ صراع السلطة أم صراع المصالح؟
بقلم :ابوعكرمة
السودان، البلد الذي كان يطمح إلى بناء مرحلة جديدة من الاستقرار بعد ثورة شعبية أطاحت بنظام المؤتمر الوطني عام 2019، يجد نفسه اليوم في أتون حرب مدمرة. الحرب الحالية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ليست مجرد خلاف على السلطة، بل هي نتيجة تراكمات تاريخية وسياسية معقدة أفرزت صراعًا مريرًا، يدفع ثمنه الشعب السوداني. لكن، في قلب هذا الدمار، يبقى السؤال الذي يشغل الجميع: من المسؤول عن هذه الحرب؟ وهل هي نتيجة صراع داخلي على النفوذ أم أن الأطراف الإقليمية والدولية تلعب دورًا في تأجيجها؟
جذور الأزمة: تراكمات عقود من الفوضى السياسية:
لفهم الحرب الحالية، يجب النظر بعمق إلى التاريخ السياسي للسودان الذي اتسم بعدم الاستقرار والانقلابات المتكررة. هذه الجذور تحمل الأسباب الحقيقية وراء هشاشة الدولة التي أدت إلى هذا الانفجار:
غياب المؤسسات القوية: منذ الاستقلال عام 1956، فشل السودان في بناء مؤسسات ديمقراطية قادرة على إدارة التنوع العرقي والثقافي الكبير في البلاد، مما خلق بيئة خصبة للصراعات.
الانقسامات داخل الجيش: النظام السابق لعب دورًا في تقسيم الجيش وإنشاء قوات موازية، مثل قوات الدعم السريع، لضمان ولاء شخصي وتفادي الانقلابات العسكرية. لكن هذه السياسات أسست لصراعات مستقبلية بين المؤسسات العسكرية نفسها.
مرحلة ما بعد الثورة: سقوط نظام المؤتمر الوطني كشف عن عمق الانقسامات بين القوى السياسية والعسكرية، حيث دخلت الأطراف المختلفة في صراعات على تقاسم السلطة بدلًا من العمل المشترك لتحقيق أهداف الثورة.
الجيش والدعم السريع: صراع النفوذ والسلطة
الصراع الحالي بين الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) يعكس أكثر من مجرد نزاع على الإصلاحات العسكرية. إنه صراع على السيطرة على مستقبل السودان السياسي والاقتصادي.
الجيش السوداني: يرى نفسه المؤسسة الشرعية التي تمثل الدولة السودانية، ويسعى للحفاظ على سيطرته الكاملة. وينظر إلى قوات الدعم السريع كتهديد لهيبته ومكانته كقوة عسكرية وطنية.
قوات الدعم السريع: تأسست كقوة شبه عسكرية بقيادة حميدتي، وهي تتمتع بنفوذ اقتصادي قوي نتيجة سيطرتها على تجارة الذهب ومصادر أخرى. وتطالب بالاعتراف بها كجزء رئيسي من النظام العسكري والسياسي في السودان.
هذا الصراع على النفوذ تعمق بعد تأجيل اتفاق دمج قوات الدعم السريع في الجيش، وهو ما أشعل فتيل الحرب.
الدور الخارجي: وقود للصراع أم مفتاح للحل؟: إلى جانب العوامل الداخلية، لا يمكن إغفال الدور الذي تلعبه القوى الإقليمية والدولية في تأجيج هذا الصراع.
القوى الإقليمية: بعض الدول تنظر إلى السودان كمنطقة نفوذ استراتيجي أو اقتصادي، وتسعى لتعزيز مصالحها عبر دعم أحد طرفي النزاع. وتجارة الذهب السوداني أحد العوامل الرئيسية التي تجذب اهتمام هذه الدول.
المجتمع الدولي: المواقف المتباينة من القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين تضعف أي جهود موحدة لإنهاء الحرب. وغياب الدعم الحقيقي للحلول السلمية يزيد من تعقيد الأزمة.
الضحايا الحقيقيون: الشعب السوداني يدفع الثمن: وسط صراع القوى والنفوذ، يظل الشعب السوداني هو الخاسر الأكبر. فالحرب تسببت في نزوح الملايين، خاصة في مناطق دارفور والخرطوم ومدني (عدد كبير من القري والمدن الأخرى). ومن ثم انتشار الجوع والفقر بسبب انهيار الاقتصاد وانقطاع سلاسل الإمداد. إضافة الى ان المؤسسات الصحية والتعليمية تعاني من شلل شبه كامل. والبنية التحتية المدنية تعرضت للدمار بسبب القتال المستمر. اما الجيل الجديد من السودانيين، الذي كان يطمح لبناء مستقبل أفضل بعد الثورة، يجد نفسه عالقًا في صراعات لا نهاية لها.
كيف يمكن إنهاء الحرب؟
الحرب الحالية في السودان ليست مجرد نزاع عسكري، بل هي أزمة سياسية واجتماعية شاملة تحتاج إلى حلول جذرية وشجاعة:
الإيقاف الفوري للحرب: يجب على الأطراف المتحاربة ان تقرر الوقف الفوري للحرب. او بتكوين جبهة مدنية عريضة تتكون كل من نادي بوقف الحرب، وذلك بالضغط على الأطراف المتحاربة وابجارها على وقف الحرب، والذهاب للتفاوض.
حوار وطني شامل: يجب أن تُدعى جميع الأطراف السودانية (ما عدا الفاعلين والمتسببين فيها)، بما فيها المدنيون، إلى طاولة حوار حقيقية. والتركيز على بناء دولة مؤسسات تعزز سيادة القانون.
إصلاح المؤسستين العسكرية والمدنية: لا بد من دمج قوات الدعم السريع ضمن هيكلية الجيش بطريقة تحفظ توازن القوى وتمنع تكرار الصراعات. مع ابعاد كل المؤسسات العسكرية والأمنية عن الدور السياسي، والتركيز على مهامها التي يحددها الدستور.
الدولة المدنية: ضرورة بناء الدولة المدنية، التي ناديت بها الثورة العظيمة، وتعزيز إمكانية المحاسبة والمساءلة لكل من تجاوز على الدولة والوطن.
دور المجتمع الدولي: يجب على القوى الإقليمية والدولية دعم الحلول السلمية بدلًا من تأجيج الصراع عبر المصالح الاقتصادية والسياسية. وفرض رقابة مشددة على تدفق الأسلحة إلى السودان.
إعادة إعمار البنية التحتية: التركيز على إعادة بناء المؤسسات الصحية والتعليمية والاقتصادية لضمان استعادة استقرار المجتمع.
الخلاصة: من يتحمل المسؤولية؟
المسؤولية عن الحرب في السودان متعددة الأبعاد. القيادات العسكرية تتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية بسبب صراعها على السلطة، لكن الأطراف الإقليمية والدولية ليست بعيدة عن دائرة الاتهام. ومع ذلك، يبقى الأمل قائمًا إذا أدركت جميع الأطراف أن مستقبل السودان لا يمكن أن يُبنى على أنقاض الحرب. التحدي الأكبر الآن هو تجاوز المصالح الضيقة والعمل معًا لتحقيق سلام مستدام يعيد للسودان استقراره ومكانته في المنطقة.
هل يستطيع السودان تجاوز هذه المرحلة المظلمة؟ الإجابة تعتمد على الشجاعة السياسية والإرادة الجماعية.