السودانيون في إيران.. عالقون بين نيران حربين ومخاوف من المجهول

متابعات – رقراق نيوز

في وقت تتصاعد فيه حدة المواجهة بين إيران وإسرائيل، يجد السودانيون المقيمون في المدن الإيرانية أنفسهم محاصرين بين حربين متوازيتين: الأولى في وطنهم السودان الذي مزقته الحرب، والثانية تلوح في الأفق على أرض لجوئهم المؤقت.

بين الخرطوم وأصفهان… طريق مزدحم بالخوف

في مدينة أصفهان، التي كانت هدفاً لهجمات جوية إسرائيلية في الأيام الماضية، يعيش الطالب السوداني “سليم محمود” (اسم مستعار) حالة من الترقب والقلق. يقول محمود، الذي يدرس الهندسة الميكانيكية منذ خمس سنوات في إيران، إن أجواء المدينة لم تعد كما كانت. “تحوّل الليل إلى سماء تعج بأزيز الطائرات المسيّرة، وأصوات الانفجارات قطعت سكينة المدينة”، بحسب تعبيره.

ومع تكرار الهجمات، قرر محمود الفرار مؤقتاً إلى مدينة كاشان، هربًا من احتمالات التصعيد، لكنه بات اليوم يدرس خيارًا أكثر جذريًا: الخروج من إيران بالكامل إلى ماليزيا لمواصلة دراسته، مؤكداً أن “العودة إلى السودان ليست مطروحة في ظل الحرب المستعرة”.

إجراءات إجلاء محدودة

في هذا السياق، أعلنت السفارة السودانية في طهران عن فتح باب الإجلاء الطوعي لأفراد الجالية، حيث صرّح السفير عبد العزيز صالح بأن الدفعة الأولى تشمل 25 فرداً من أصل قرابة 200 مسجّلين رسمياً، رغم أن التقديرات غير الرسمية تشير إلى أن عدد السودانيين في إيران أكبر بكثير.

“نارمك” و”كرج”… من الملاذ إلى المجهول

في العاصمة طهران، لم تكن الضربات بنفس عنف أصفهان، لكن مشاهد القلق لم تغب. يقول “أنور عبده”، سوداني يعمل في مجال الترجمة، إنه كان في حي نارمك شرق طهران عندما دوّت صفارات الإنذار وتبعها دوي انفجارات قرب منشآت أمنية.

“لم أتصور أن أهرب من السودان لأواجه وضعاً شبيهاً في طهران”، يقول عبده. وفي اليوم التالي، غادر إلى مدينة كرج غرب العاصمة، حيث استقر مؤقتاً لدى عائلة إيرانية يعرفها، مضيفًا: “هنا لا طائرات مسيّرة ولا صافرات إنذار، لكن التوتر النفسي مستمر”.

بين طهران والخرطوم.. ذاكرة اللجوء والتقارب

تُقدّر أعداد السودانيين المقيمين في إيران بنحو ألف شخص، بحسب الباحث السوداني عاطف حسن، أغلبهم طلاب في مدينة قم، يدرسون في جامعة المصطفى العالمية المتخصصة في العلوم الشرعية والفكر الإسلامي الشيعي.

وكانت العلاقات السودانية الإيرانية قد شهدت تقاربًا واسعًا في تسعينيات القرن الماضي، خاصة في عهد الرئيس السابق عمر البشير، حيث نشطت برامج التبادل الثقافي والديني، قبل أن تُقطع العلاقات عام 2016 إثر الأزمة السعودية-الإيرانية.

ورغم انقطاع العلاقات الرسمية، لا يزال السودانيون موجودين في إيران لأسباب دراسية أو دينية. وتشير تقارير صحفية إلى أن طهران قدّمت مساعدات عسكرية للجيش السوداني، بما في ذلك طائرات مسيّرة، رغم النفي الرسمي لذلك.

مستقبل غامض وخيارات محدودة

بالنسبة لمعظم السودانيين في إيران، فإنهم يواجهون مستقبلاً غامضًا، وسط خيارات محدودة: البقاء في بلد مضطرب سياسيًا وأمنيًا، أو العودة إلى السودان الذي تمزقه الحرب، أو البحث عن ملاذ ثالث في ظل قيود اقتصادية وقانونية معقدة.

يقول أحد المقيمين: “نحن ضحايا صراعين لا ناقة لنا فيهما… خرجنا من تحت وابل الرصاص في الخرطوم، لنجد أنفسنا نركض من جديد تحت سماء ملبدة بالمسيّرات والانفجارات في أصفهان وطهران”.