الفاشر تحت النار: تصعيد عسكري ومعارك دامية تضع المدنيين بين جحيم الحصار ومخاطر النزوح

رصد: رقراق نيوز
تشهد مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور تصعيدًا عسكريًا خطيرًا، وسط أوضاع إنسانية متدهورة ومشاهد مروعة من المعارك والفرار الجماعي، في وقت تتواصل فيه الانتهاكات وعمليات القصف والحصار الشامل من قبل قوات الدعم السريع، ما يجعل سكان المدينة بين خيارين قاتلين: البقاء وسط النيران أو النزوح عبر رحلات محفوفة بالمخاطر.
هجوم عسكري عنيف يهز المدينة
أفادت مصادر إعلامية بأن قوة من العمل الخاص التابعة للجيش السوداني، مدعومة بإسناد استخباراتي، شنت هجومًا على مواقع تتمركز فيها قوات الدعم السريع في أطراف مدينة الفاشر. ووفقًا للمصادر، سُمع دوي انفجارات عنيفة وإطلاق نار كثيف في عدد من الأحياء، ما أثار حالة من الذعر والتوتر الشديد بين السكان.
في المقابل، أعلنت تنسيقية لجان المقاومة في الفاشر عبر صفحتها الرسمية أن قوات الدعم السريع هي من بدأت الهجوم على المدينة، مشيرة إلى أن “أصوات الرصاص تخترق صمت الليل وأن المدينة لا تنام”، وأكدت أن سكان المدينة يواصلون الصمود رغم شدة المعارك، لافتة إلى أن صوت المقاومة يعلو كلما اشتدت المواجهات، في تعبير عن تمسك الأهالي بالدفاع عن مدينتهم حتى آخر لحظة.
حصار خانق وأوضاع إنسانية كارثية
منذ أكثر من عام، تخضع مدينة الفاشر لحصار خانق تفرضه قوات الدعم السريع، ما تسبب في أزمة إنسانية حادة وغير مسبوقة. وتزداد حدة الحصار يومًا بعد يوم، ليجد المواطنون أنفسهم بين الموت أو الفرار.
عدد كبير من العائلات خاض رحلات فرار مؤلمة وقاسية هربًا من الحصار والدمار. وتروي شهادات نازحين تفاصيل لا تُصدق عن تلك الرحلات، في وقت يواصل فيه المسؤولون مناشدة المجتمع الدولي للتدخل العاجل، خاصة بعد رفض المليشيا الاستجابة لأي هدنة، واعتمادها تضييق الحصار بحفر الخنادق حول محيط المدينة.
نداءات استغاثة من الداخل
في ظل هذا الوضع المتدهور، أطلق المدير التنفيذي للتأمين الصحي بشمال دارفور، د. كرم الدين أحمد كرم الدين، نداءً إنسانيًا عاجلًا لإنقاذ ما تبقى من المدينة. ونقل راديو “دبنقا” عنه قوله إن “الموتى يُدفنون بلا أكفان بسبب انعدام الأقمشة”، مضيفًا أن ما يجري في الفاشر هو “كارثة حقيقية لا مثيل لها في التاريخ الحديث”، مشيرًا إلى أن معظم سكان المدينة اضطروا للمغادرة فرارًا من الجوع والغلاء وانعدام الخدمات الأساسية.
هل الخروج من الفاشر آمن؟
هذا السؤال بات مطروحًا بشدة في ظل تفاقم الأوضاع. ففي حديثه لـ”الكرامة”، وصف مدير صحة شمال دارفور، د. إبراهيم عبد الله خاطر، الوضع في المدينة بأنه “فاشل”، مؤكدًا أن الأوضاع الإنسانية بلغت مستوى بالغ السوء نتيجة استمرار القصف واستهداف المدنيين.
وجدد خاطر دعوته إلى ضرورة فك الحصار عن المدينة في أقرب وقت، مشيرًا إلى أن الأوضاع داخل وخارج الفاشر متردية على حد سواء.
ويرى مراقبون أن المليشيا تمضي في مخطط خبيث لإفراغ المدينة، من خلال تضييق الخناق ورفض الهدن، بالتوازي مع استهداف مباشر للمدنيين.
وفي خطوة لافتة، دعت حركات موالية للمليشيا، أبرزها حركة الهادي إدريس، المواطنين إلى الخروج من المدينة بعد إعلانها منطقة عسكرية، وطالبتهم بالانتقال إلى المناطق التي تسيطر عليها.
رحلة نزوح محفوفة بالمخاطر
وفقًا لما نقله أحد النازحين لـ”دارفور24″، تبدأ رحلة الهروب من الفاشر من منطقة “السوبر كامب” شمال غرب المدينة، حيث تُستأجر عربات “كارو” بمبلغ يصل إلى 120 ألف جنيه للوصول إلى منطقة “حلة الشيخ”، والتي تخضع لتفتيش من الجيش والقوة المشتركة التابعة للحركات المسلحة.
بعدها، يتوقف النازحون عند نقطة تفتيش تابعة لقوات الدعم السريع، حيث تُجرى تحقيقات فردية، وتُحتجز بعض الحالات، فيما يُسمح للبقية بالمضي نحو منطقة “قرني”.
وبسبب وعورة الطرق وانعدام وسائل النقل الرسمية، يستعين السكان بالحمير لنقل كبار السن وبعض المقتنيات، مقابل 40 ألف جنيه للرحلة الواحدة التي تستغرق أكثر من ثلاث ساعات، وسط خطر حوادث السلب والنهب من قبل عناصر الدعم السريع.
ومن قرني، تنتقل الأسر إلى مدينة كورما مقابل 150 ألف جنيه للراكب، ثم إلى منطقة طويلة غرب دارفور عبر سيارات هايلوكس ولاندكروزر تُدار بواسطة سماسرة محليين، بنفس التكلفة. وبالقرب من مشارف طويلة، تُنزل الأسر على بعد كيلومترين من البلدة، وتُستخدم عربات كارو مقابل 7 آلاف جنيه للفرد لإتمام الرحلة.
المدينة تختنق: غذاء منعدم وخدمات منهارة
سكان الفاشر يعانون نقصًا حادًا في الغذاء والدواء ومياه الشرب، إضافة إلى انعدام السيولة النقدية، وارتفاع رسوم التحويلات البنكية، ما فاقم من تدهور الوضع المعيشي في المدينة المحاصرة.
انتهاكات صادمة خلال شهر يونيو فقط
في تقرير حديث أصدره مرصد مشاد – شباب من أجل دارفور، تم توثيق انتهاكات واسعة النطاق ارتكبتها قوات الدعم السريع في مدينة الفاشر خلال شهر يونيو الماضي فقط، حيث: قُتل ما لا يقل عن 103 مدنيين، بينهم 13 طفلًا، نتيجة القصف المدفعي العشوائي، أُصيب أكثر من 201 مدني بجروح متفاوتة، تم نزوح أكثر من 469,000 أسرة، من بينهم نحو 80,000 إلى تشاد، وأكثر من 24,000 إلى ليبيا، تم توثيق 32 حالة اغتصاب، بينها 6 طفلات دون سن 18 عامًا، خلال محاولتهن الهروب من مناطق الاشتباكات، اعتُقل تعسفيًا أكثر من 132 شابًا، لا يزال أغلبهم محتجزًا في مواقع سرية يتعرضون فيها للتعذيب، وتم تدمير عشرات المنازل والمرافق الخدمية، بما في ذلك مدارس ومراكز صحية، مما أدى إلى انهيار شبه كامل للبنية التحتية.
قراءة سياسية: هدف المليشيا تفريغ المدينة لإعلان السيطرة
من جانبه، حذر الخبير السياسي الطاهر عبد اللطيف من غياب التعامل الجاد مع حجم الكارثة في الفاشر، لافتًا إلى أن المليشيا تسعى إلى إسقاط المدينة باعتبارها نقطة تحول مفصلية في المعارك، ثم إعلان الإقليم دولة منفصلة تحت سيطرتها.
وأشار إلى أن المليشيا تنتقم من المدنيين بسبب بقائهم في المدينة، وتشُك في ولائهم للجيش، مؤكدًا أن إطالة أمد الحصار يخلق أزمات ممنهجة نجحت المليشيا في فرضها.
وختم بقوله: “لقد انتهجت المليشيا، خلال معاركها في الفاشر، نهج الخنق أولًا، ثم التفريغ والتهجير، وهو ما نراه الآن، لذا فإن فك الحصار بات ضرورة عاجلة لإنقاذ المدينة وسكانها”.