“القطاع الصحي السوداني: نهوض من تحت الأنقاض وإنجاز في قلب الحرب”

رصد: رقراق نيوز

في ظل الدمار الكبير الذي خلفته الحرب المستمرة منذ أبريل 2023، والتي طالت كل قطاعات البلاد، يبرز القطاع الصحي في السودان كأحد أكثر القطاعات تضررًا، لكنه في ذات الوقت سجل إنجازات وصمودًا لافتًا قادته وزارة الصحة الاتحادية رغم التحديات غير المسبوقة.

تُقدّر وزارة الصحة الاتحادية حجم الخسائر التي لحقت بالقطاع الصحي من دمار ونهب للمؤسسات الصحية، والمعدات الطبية، وسيارات الإسعاف، ومستودعات الأدوية والإمدادات الدوائية، بما يتجاوز 11 مليار دولار، إلى جانب تدمير مصانع الأدوية بشكل كامل في عدد من الولايات.

ورغم هذا الدمار، تمكنت الوزارة من الحفاظ على استمرارية تقديم الخدمات الصحية الأساسية، وتحقيق إنجازات نوعية، بفضل جهود الكوادر الوطنية، ودعم الشركاء الدوليين.

استطاعت الوزارة تأمين الأدوية المنقذة للحياة، لا سيما لمرضى الكلى والأورام والطوارئ، عبر الصندوق القومي للإمدادات الطبية، بتكلفة بلغت نحو 40 مليون دولار، وُزعت على الولايات بما يضمن استقرار الإمداد الدوائي. كما أعادت الوزارة تشغيل معظم شركات الأدوية، وسهلت عمليات الاستيراد، ليصل إجمالي ما تم استيراده إلى أكثر من 200 مليون دولار خلال عام واحد.

على صعيد البنية التحتية، أعادت الوزارة تشغيل معظم المستشفيات التي تم تحريرها، وافتتحت خمسة مستشفيات جديدة، إلى جانب إنشاء أكثر من ثلاثين قسماً تخصصياً في مجالات العناية المركزة، حديثي الولادة، والطوارئ. وتم تعزيز منظومة الإسعاف القومي بأكثر من 140 عربة إسعاف جديدة.

كذلك، شهد العام 2024 ترقية نوعية للخدمات التخصصية في عدد من الولايات، من خلال توفير أجهزة طبية متقدمة مثل الرنين المغنطيسي، الأشعة المقطعية، والقساطر القلبية، مما أسهم في استعادة العديد من العمليات الدقيقة مثل جراحات القلب المفتوح، المخ والأعصاب، والعظام.

وفي مجال الصحة العامة، استطاعت الوزارة احتواء موجات من الأوبئة الفتاكة مثل الكوليرا وحمى الضنك، من خلال حملات تطعيم واسعة، شملت أكثر من 18 مليون جرعة. وسجّل السودان لأول مرة إدخال لقاح الملاريا ضمن جدول التحصين القومي، في خطوة اعتُبرت تاريخية.

واصل برنامج التحصين القومي عمله في كافة ولايات ومحليات البلاد، دون انقطاع رغم الحرب، ونال تكريمًا من منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط، تقديرًا لهذا الثبات والجهد المؤسسي.

وفي تطور لافت، استعادت الوزارة علاقاتها وشراكاتها مع المنظمات الأممية، حيث زار السودان مسؤولون رفيعو المستوى، من بينهم مدير عام منظمة الصحة العالمية د. تيدروس أدهانوم، ومدير عام منظمة اليونيسيف السيد تيد شابان، ومديرة منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط د. حنان بلخي. وقد تجاوز الدعم الدولي المقدم للقطاع الصحي عبر الوكالات والمنظمات أكثر من 242 مليون دولار خلال عام 2024 فقط.

وفي المحافل الإقليمية، تم تكريم الطبيب السوداني في اجتماع وزراء الصحة العرب، تقديرًا لدوره في استمرارية الخدمات الصحية في البلاد خلال الحرب.

في السياق نفسه، كشف وكيل الصحة الاتحادي د. هيثم محمد إبراهيم أن 75% من المستشفيات في السودان تعمل بشكل جزئي فقط، من أصل 702 مستشفى منها 540 تابعة للوزارة، حيث تعرض العديد منها للتدمير الكامل أو التخريب الممنهج ونهب المعدات.

وأوضح الوكيل أن الوضع الصحي في الولايات الآمنة التي تُدار من قبل الحكومة مستقر، وإن كانت المؤسسات الصحية تتحمل فوق طاقتها نتيجة استضافتها لمئات الآلاف من النازحين. أما في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، فأكد أن الوضع “صعب جدًا”، وأن الحكومة لا تستطيع تقديم سوى الخدمات الأساسية مثل الأمومة، والتطعيمات، وأدوية الطوارئ والدرن والإيدز، وذلك في ظل ظروف تشغيل معقدة، إذ تدار بعض المؤسسات بكوادر وزارية وأخرى عبر منظمات مثل “أطباء بلا حدود”، فيما تدير قوات الدعم السريع مستشفياتها الخاصة مثل الرازي والدولي وشرق النيل بولاية الخرطوم.

وفي محاولة لإعادة النهوض بالقطاع، أطلقت وزارة الصحة في عام 2024 نداءً دوليًا لإعادة إعمار وتأهيل المستشفيات والمرافق الصحية التي دمرتها الحرب، داعية المنظمات الإنسانية والدول الشقيقة والصديقة للمساهمة في هذا الجهد.

وقال الوكيل : “نطلق هذا النداء لإعادة إعمار مستشفياتنا، لإنقاذ الأرواح وتوفير العلاج للمرضى في المدن المتضررة، وقد أعلنا عن إطلاق صندوق خاص لإعادة الإعمار، بدءًا من المستشفيات المرجعية في الخرطوم والولايات المتأثرة، وسنعمل على توسيع منصة الدعم لاستقطاب مساهمات المانحين والخيرين، من الداخل والخارج”.

وأكد أن المرحلة الحالية من خطة الوزارة لا تشمل إنشاء مستشفيات جديدة، بل تركز على تأهيل المرافق القائمة التي كانت تعمل قبل الحرب، مع وضع خارطة صحية جديدة لبناء نظام صحي متكامل يغطي كل ولايات السودان.

وأشار الوزير إلى أن مرحلة الاستجابة والتعافي ستمتد لعام كامل، وهي الفترة المحددة لاستمرار النداء الدولي لإعادة الإعمار، داعيًا إلى ضمان أعلى درجات الشفافية والمحاسبة لكسب ثقة المانحين والمجتمع الدولي.

في ظل كل هذه المعطيات، يظل القطاع الصحي في السودان شاهدًا على صمود الدولة والمجتمع، ويبعث برسالة أمل في قدرة البلاد على تجاوز المحن، والنهوض من تحت الركام رغم الألم والخسائر.