
الوزير الاستثنائي في زمن الحرب: د. هيثم محمد إبراهيم
بقلم: علي أبو علي
لست ممن يهتمون بالوزراء وأصحاب القرار بقدر ما تعنيني المواقف، ولي منهجي الفكري والسياسي، وهو ذات المنهج الذي علّمنا احترام الآخر.
أمرُّ اليوم على واحد من أهم الذين تقلدوا وزارة الصحة، بل أجرؤ على القول إنه أفضل من وظف المهنية في منصبه. لكن، وكما العادة، تسير مسارات الجحود عكس دروب العشق الإنساني، والنجاح غالباً ما يُقابل بالرهق في وطنٍ أرهقه الطمع.
الدكتور هيثم، جماله في قدرته على تصور الآخر، بعيداً عن التعساء وكافري النجاح، في زمنٍ تطاول فيه جناح الذل. لقد فتح مسارات لضوء الخفوت، واجتهد في إصلاح النظام الصحي، وحاول -في قلب الحرب– أن يصنع سلاماً صحياً بجيشه الأبيض، فكان مبادراً؛ نقل الخدمات إلى الولايات الآمنة، وفتح حواراً في العقول حول كيفية توطين العلاج في الولايات.
كان متسقاً مع اعتقاد الحرية، وانعتاق الذات، واحترام هوية وتنوع شعبنا. كان الرجل مستنيراً، واعياً بحقوق الإنسان، مثقفاً، وله أسلوبٌ يخصه وحده، كالنخيل في الباوقة. وضع بصمته بشرفٍ في وزارة الصحة، بصمة لا تخطئها العين ولا اللغة.
وأنا أحمل فكراً يُكفّرني به تجار الدين، لكنني كنت أرى د. هيثم في مسجد با شيخ ببورتسودان، يُصلي صلاة الروح لا صلاة العادة.
ولا أنسى دعمه للتأمين الصحي في كل مجالاته، كما أذكر زيارته لنا في سكننا المتواضع، حين حمل في يده شيئاً من الطعام، وهي صفة سودانية أصيلة: أن تدخل على الناس حاملاً شيئاً.
كان ذلك في عهد د. دبشير الماحي، المدير العام السابق للتأمين الصحي، حيث شهد ذاك السكن اجتماعات ذات عصف ذهني رهيب، ناقشنا خلالها إصلاح النظام الصحي، وتطرقنا إلى القانون، والجزمة الإضافية، والتمويل، وكيف نصل إلى التغطية الصحية الشاملة، من خلال تفعيل دور كل مؤسسة.
د. هيثم، ارفع رأسك في وجه من لم يقدّر جهدك. لقد كسبت ودّ الناس واحترامهم، وهذه أشياء لا تُشترى، وربما تنفق عمرك كله كي تنال لحظة عرفان، لكنك صنعت العرفان في جيل سيمر عبر هذه التجربة.
بيني وبين الكلام عنك الكثير، لكن يكفي أنك كنت -طوال فترة تكليفك– إنساناً يبحث عن الإنسانية، ولم تملك سوى الطُهر، ليمنحك الله السلام، ولوطنك كذلك.
قد نُعلّق على المشانق، لكن للصباح أوانه، والموت عدالة. ما أقسى الجدار، وما أقسى النيران! لكن سينزل المطر، وسيرحل كل المتسخ، وسترى العيون العميقة الحقيقة.
كن أنت حيث تكون.
ما أجمل سعادة المرء حين لا يودع أحداً ولا ينتظر، فقط يترك فعله ونبضه خلفه.
الدكتور هيثم: أنت طائرٌ انبعث من رماد الوطن المحترق.
شكراً على كل شيء.
وتباً للممسكين العصا من النصف، فهذا هو الضعف المميت.
لا حول لك ولا قوة، كنت وحدك، وقاومت وحدك، وتحملت ما تكره.
في ميزان حسناتك، يا رب العالمين.