”نشا العافية”حين تطبخ المحبة.. عفاف حسن أمين تصنع “ترياق” الشفاء بأمدرمان
رصد : رقراق نيوز
بين أزقة “ود البنا” العريقة في أمدرمان، حيث يمتزج عبق التاريخ برائحة البارود، لم تكن الإعلامية عفاف حسن أمين مجرد شاهدة على الحرب، بل اختارت أن تكون “ترياقاً” لها.
حينما أطبق الحصار واجتاحت “حمى الضنك” أجساد المنهكين، والذين لم يجدوا لعللهم دواءً في الصيدليات الخاوية، عادت عفاف إلى “إرث الجدات” لتصنع من حبات الذرة (الفترتية) وقليل من “العرديب” ملحمة صمود أسمتها “نشا العافية”.

درب سوداني في قلب المحنة
بينما كان العالم يتابع أخبار الدمار، كانت عفاف تشعل نارها في “خلوة الشيخ عثمان وني”، مستحضرةً مقولة الأمهات الخالدة: “العيش سابع الدواء”.
لم يكن ما تقدمه مجرد وجبة غذائية، بل كان “درباً سودانياً” صُنع بحب ليعبر بجيرانها من وهن المرض إلى فضاء الصحة.
تقول عفاف والابتسامة لا تفارق وجهها رغم القهر: “قررنا صناعة نشا من الذرة والعرديب لتساعد الناس على التعافي السريع، ووجدنا في عيونهم ألفة ومحبة أعادت لنا روح الحياة”.
شهادة من قلب الصمود
هذا المشهد الإنساني المهيب، استدعى حضور الدولة ممثلة في الأستاذ الطيب سعد الدين، مدير عام وزارة الثقافة والإعلام المكلف بولاية الخرطوم، الذي وقف وسط جموع المواطنين ليشهد توزيع “نشا العافية”.
ولم يكتفِ الوزير بالإشادة، بل قرأ في تجربة عفاف عمقاً يتجاوز الغذاء، حيث قال:”إن الإعلاميين السودانيين لم يكتفوا بنقل الخبر، بل وظفوا منصاتهم للتضامن مع المواطن وشرحوا للعالم حجم المعاناة. وما فعلته عفاف هو ابتكار إنساني في البحث عن حلول غير تقليدية للخروج من الظروف القاهرة.”
وأضاف سعد الدين، وهو ينظر إلى التلاحم الشعبي في حي ود البنا: ”يجب علينا توثيق هذه الملاحم التكافلية؛ فالوسط الإعلامي والدرامي هو الأجدر بمعالجة الآثار الاجتماعية للحرب. هناك قصص وسيناريوهات تدور في خلد المبدعين، تحتاج أن تبصر النور وتتحول إلى أعمال فنية تخلد هذا الصمود.”
نحو رمضان.. أمل لا ينطفئ
لم تنتهِ قصة عفاف عند حدود الشفاء من الحمى، بل امتدت لتصبح مشروعاً للأمان الاجتماعي. وبدعم من المدير التنفيذي لمحلية أمدرمان، تستعد “نشا العافية” لتكون حاضرة على موائد الصائمين في شهر رمضان المبارك، لتثبت أن “المعدن السوداني” يزداد بريقاً كلما اشتدت عليه المحن.
عفاف حسن أمين لم تنقل خبراً هذه المرة، بل “صنعت” خبراً مفاده: أن المحبة، حين تُطبخ في قدور التكافل، تشفي ما لا يشفيه الدواء.