بعد معاناة مع المرض رحيل شاعر “الملحمة” هاشم صديق  

رصد: رقراق نيوز

غيب الموقت الشاعر السوداني والكاتب المسرحي هاشم صديق عن عمر ناهز 67 عاما، ويعد الراحل رمزًا للإبداع، إذا قفز من خلال كلماته وأسطره ليجسد أروع تجليات الثقافة السودانية، ويخترق قلوب الناس بأعماله التي حملت توقيع النضال والجمال.

ومن مفارقات القدر أن رحيل الشاعر هاشم صديق في التاسع من نوفمبر صادف الذكري الأولي لرحيل صديقة ورفيق دربه الموسيقار محمد الأمين والذي رحل في العاشر من نوفمبر في العام 2023م.

العديد من الأعمال الغنائية التي جمعت الشاعر هاشم صديق والموسيقار محمد الأمين أبزرها قصدية الثورة “الملحمة” بجانب كلام للحلوة وحروف أسمك وهمسة شوق.

كما أن المبدعين رحلا بعيداً عن تلك الأرض التي إحباها بسبب الحرب اللعنية الدائرة الأن في السودان، وذهبت بعض تعليقات المثقفين إلى انه رغم ان الموت قدر محتوم لكن إلام الحرب والفقد هما ما أودت بحياة المبدعين هاشم وأبو اللمين.

كما أنه أحد وجوه أم درمان الذين طبعوها بطابع خاص، وعاش معها تحولاتها منذ الاستقلال، ويعد كذلك أحد الوجوه البارزة في السودانية المعاصرة، إذ ترك وراءه إرثا فنيا وأدبيا ثريا.

ولد صدّيق عام 1957 في حي بانت بمدينة أم درمان التي تم إجلاؤه منها مؤخرا بعد أن مكث فيها لأكثر من سنة وسط الرصاص، ومنذ نعومة أظفاره برزت مواهبه الفنية والأدبية.

وبدأ دراسته في أم درمان ثم انتقل إلى المعهد العالي للموسيقى والمسرح، حيث حصل على درجة البكالوريوس في النقد المسرحي بتقدير ممتاز عام 1974.

لاحقًا، سافر إلى المملكة المتحدة لدراسة التمثيل والإخراج في مدرسة التمثيل “إيست 15″، ليعود محملاً بالمعرفة والتجربة التي أضافت الكثير إلى مسيرته الفنية، بدأ مشواره الفني مبكرا، إذ شارك في برنامج “ركن الأطفال” بالإذاعة السودانية.

نبذة عن حياته

وعمل هاشم أستاذًا في المعهد العالي للموسيقى والمسرح حتى عام 1995، وأسس مكتبة المسرح السوداني التي ضمت أرشيفًا غنيًا من الأعمال الأدبية والفنية التي تُعد مرجعية للأجيال القادمة.

ورغم النجاح الأكاديمي والفني الذي حققه، تعرض هاشم للرقابة والضغوط من الأنظمة الحاكمة بسبب أعماله الجريئة. فبعد أن توقف مسلسله “الحراز والمطر” عام 1979، تعرض “الحاجز” للقطع في عام 1984، وتم إيقاف برنامجه “دراما 90” في عام 1993.

تميز صدّيق بجرأته الفنية والفكرية، مما عرّضه للمساءلة والاعتقال في فترات مختلفة، فقد تم حظر بعض أعماله مثل مسلسل “الحراز والمطر” ومسرحية “نبتا حبيبتي” بسبب ما اعتبرته السلطات آنذاك مضمونا مناوئا للنظام.

“شاعر الملحمة”

فقد كان هاشم صديق، الملقب بـ “شاعر الملحمة”، وهو في الـ20 من عمره، هذا العمل -الذي يعد أول وأكبر عمل غنائي استعراضي في السودان- لاقى نجاحا كبيرا وأصبح جزءا من التراث الوطني السوداني.

ومن أوبريت “قصة ثورة” التي أصبحت جزءًا من التراث الوطني إلى أعماله المسرحية التي جسدت آلام الوطن وآماله، ظل هاشم صديق صوتًا جريئًا يتحدى القمع ويعلن أن الإبداع لا يموت مهما كانت التحديات.

وهو أحد أبرز المبدعين الذين ربطوا بين الشعر والمسرح والغناء، فترك بصمات لا تُنسى في الذاكرة الثقافية السودانية، ولم يقتصر إبداع صدّيق على الشعر، بل امتد ليشمل الكتابة المسرحية والدرامية للتلفزيون والإذاعة، ومن أبرز أعماله المسلسل الإذاعي “قطار الهم” ومسرحية “أحلام الزمان” التي فازت بجائزة الدولة لأفضل نص مسرحي.

وإلى جانب نشاطه الفني عمل صدّيق في الصحافة، وكان له حضور في الساحة السياسية والثقافية السودانية، وترك وراءه العديد من الأعمال الشعرية والمسرحية والدرامية التي شكلت علامة فارقة في المشهد الثقافي السوداني.

أعماله

ومن أبرز أعماله “قصة ثورة” أو ” الملحمة”، الأوبريت الأكثر شهرة في تاريخ السودان، الذي لحنه الفنان، الموسيقار محمد الأمين، وأصبح علامة فارقة في تاريخ الفن السوداني، ليشكل أول تجربة ناجحة في فن الغناء الموسيقي الكورالي في السودان.

كذلك ترك صديق بصمات واضحة أيضًا في مجالات الأدب والصحافة والنقد الأكاديمي، حيث أبدع في التأليف الدرامي وصار له دور كبير في إثراء الثقافة السودانية. من أشهر أعماله المسرحية مسرحية “أحلام الزمان” التي حازت جائزة الدولة لأفضل نص مسرحي عام 1973، وكذلك “نبتة حبيبتي” التي نالت جائزة النص الأدبي عام 1974. كما قدم العديد من المسلسلات الإذاعية والتلفزيونية التي كانت تحاكي هموم المجتمع السوداني وتطرح قضاياه.

وقد كان لشعر هاشم تأثير كبير على الفنانين السودانيين، حيث غنى له كبار الفنانين مثل محمد الأمين ومصطفى سيد أحمد وأبو عركي البخيت وسيد خليفة، تغنى للحبيبة والوطن معًا، فكانت أغنياته تمزج بين عشق الأرض وتطلعات الشعب السوداني في الحرية والعدالة، مما جعل صوته يشدو بآمال الأمة وأحاسيسه تجاه الحبيبة في تناغم لا يُنسى.

ورغم معاناته في آخر أيامه، حيث تم نقله إلى ضاحية الثورة بأم درمان بعربة “كارو” بعد تعذر إيجاد وسيلة نقل أخرى أثناء الحرب المحتدمة في السودان، ظل هاشم رمزًا للإبداع والمقاومة. هذا التناقض بين مكانته الفنية الكبيرة والظروف القاسية التي عاشها في آخر أيامه يبرز مدى تحدي الإبداع للفقر والموت والدمار.

وفي ظل هذه التحديات، ظل هاشم صديق رمزًا للمقاومة الفنية، ثابتًا في إبداعه. فقد ظل يؤمن أن الإبداع لا يمكن قمعه مهما كانت الظروف، وأن الفنان يجب أن يظل صامدًا في وجه القمع والإقصاء.

يذكر أن هاشم صديق رحل، لكن أعماله ستظل حية في ذاكرة الأجيال القادمة، ويستمر تأثيره الفني والإبداعي في تحفيز الأجيال الجديدة من المبدعين، وفق كل محبيه الذي نعوه عبر مواقع التواصل الاجتماعي.