السودان.. حكاية لم تنته بعد

أبو عكرمة

مقدمة: بلد على حافة الهاوية:

السودان، هذا البلد الذي اشتهر بتنوعه الثقافي وعمقه التاريخي، يعيش اليوم واحدة من أصعب مراحله. منذ انقلاب 1989 وحتى الحرب المشتعلة بين الجيش وقوات الدعم السريع، تراكمت الأزمات لتترك أثرًا عميقًا على النسيج الاجتماعي. وبين الاستقطابات السياسية والحروب المدمرة، يبرز سؤال واحد: هل يمكن للسودان أن يعيد ترميم ما تهدم من وحدته المجتمعية؟

1989: انقلاب غيّر معادلة السودان الاجتماعية:

قبل أكثر من ثلاثة عقود، استيقظ السودانيون على انقلاب عسكري قاده البشير تحت غطاء “الإنقاذ”. حيث فرض النظام الجديد أيديولوجية دينية متشددة قسمت السودانيين إلى “موالٍ” أو “معارض”. فأصبحت الهوامش السودانية، خصوصًا دارفور والنيل الأزرق، تحت وطأة سياسات تمييزية عمقت الجروح. و من خلال توظيف القبيلة كأداة سياسية، تفككت الهويات الوطنية لصالح الولاءات الضيقة.

2023: حرب الجيش والدعم السريع.. الضربة القاضية للنسيج الاجتماعي:

تتجاوز الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع صراع السلطة لتصبح معركة تفكك مجتمعي شامل.

مدن أشباح ومجتمعات نازحة: الخرطوم، قلب البلاد، تحولت إلى ساحة حرب دمرت حياة الملايين. الأسر شُرّدت، والقرى هُجّرت، لتتحول العائلات إلى لاجئين في وطنهم وخارجه.

تصاعد الكراهية: الانتشار السريع لخطاب الكراهية عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي عمّق الفجوات بين مكونات المجتمع.

الاقتصاد المهشم: مع انهيار العملة وارتفاع نسب البطالة، باتت الفجوة بين الطبقات الاجتماعية تتسع بشكل خطير.

هل يمكن للنسيج الاجتماعي أن يصمد؟:رغم قسوة الواقع، لا يزال هناك بصيص أمل يعكس إرادة الشعب السوداني للصمود. فيتطلب ذلك:

1. العدالة الانتقالية بداية الحل: تحقيق العدالة للضحايا وتعويض المتضررين سيكون خطوة حاسمة لإعادة بناء الثقة بين الفئات المختلفة. المصالحة الوطنية يجب أن تُبنى على أسس الشفافية، لا الصفقات السياسية.

2. تعزيز دور الشباب والمرأة: المرأة السودانية، التي كانت دائمًا في مقدمة الصفوف، يمكن أن تكون ركيزة لإعادة بناء المجتمع. وإشراك الشباب في عمليات السلام والتنمية هو المفتاح لتجاوز الحروب القديمة.

3. الإعلام سلاح ذو حدين: الإعلام المستقل يجب أن يتبنى دورًا توعويًا يحارب خطاب الكراهية ويركز على القواسم المشتركة. كذلك إطلاق منصات تدعم روايات السلام والتعايش بدلاً من تأجيج الصراعات.

4. التعليم والاقتصاد.. استثمار طويل الأمد: التعليم يمكن أن يصبح الجسر الذي يعيد بناء القيم المشتركة للسودانيين. تحسين الوضع الاقتصادي من خلال مبادرات تنموية شاملة سيخفف من حدة الصراعات المجتمعية.

الختام:

السودان.. حكاية لم تنتهِ بعد

رغم جراحه العميقة، يبقى السودان بلدًا يتمتع بروح الصمود والقدرة على تجاوز الأزمات. النسيج الاجتماعي السوداني ليس مجرد شعار، بل هو حياة تمتد في كل زاوية من هذا الوطن الكبير. إعادة ترميمه لن تكون سهلة، لكنها ليست مستحيلة. فإن الطريق طويل، لكن الإرادة الشعبية والتعاون بين فئات المجتمع يمكن أن يعيدا للسودان استقراره، ليصبح نموذجًا للسلام والتعايش في المنطقة.