دعاة محبة

حروف مبعثرة | خضر مسعود

قبل أن ينهي رئيس مجلس السيادة خطابه أمام القوى السياسية ببورتسودان، برزت أصوات مخالفة من بين الركام تدعو إلى اعتذار البرهان، وأخرى ترى أن الحديث عن العفو العام جانبه الصواب، ولها الحق فيما تقول، ولنا الحق أن نعترض على ما تقول، ما يثير الدهشة أن بعض المنادين بهذا الطرح هم أنفسهم يحتاجون إلى إعادة الاواصر مع الشعب السوداني وتقديم النقد الذاتي لتجربتهم، ولو أنهم تأملوا حديث العفو لكانوا أول المشمولين به.

لكن الحقيقة التي لا جدال فيها أن حال السودان لن ينصلح إلا بالسلام، فالحروب لم تورثنا سوى الدمار وسفك الدماء وهدم بلادنا بأيدينا. وكما قال تعالى: “فإن جنحوا للسلم فاجنح لها”.

بين السلام والعتاب

تذكرني هذه الأجواء بحادثة بين الشاعرين الكبيرين الراحلين إسماعيل حسن واللواء عوض أحمد خليفة:  تقول الرواية إن إسماعيل حسن زار عوض أحمد خليفة، الذي كان طريح الفراش، لكنه فوجئ بصمت مضيفه طيلة فترة الزيارة، وهو ما أثار حفيظته. وحين همّ بالخروج، دفعه فضوله لسؤال مضيفه: “يا عوض، في زول جاب ليك مني نضم؟” هنا انفجر الجنرال عوض قائلاً: “يا إسماعيل، الكتبتو دا شنو؟” وكانت حينها أغنية “الوصية” التي كتب كلماتها إسماعيل حسن قد أثارت ضجة واسعة. وواصل عوض قائلاً: كيف تكتب: الخانك تخونو؟! نحن دعاة سلام يا إسماعيل، والناس بتسمعنا عشان تفرح .”ومنذ ذلك اليوم، لم يكتب ود حد الزين شيئًا مماثلًا، هؤلاء الأماجد هم قدوة هذا الشعب، الذين تشكل ضميره الجمعي على وقع أغنياتهم.

“وما أظن من عرف الهوى يعرف عداوة بعد سلام”.

غاية المحبة.. سلام

ويقودنى التداعى إلى أغنية “عشرة الأيام”، التي كتب كلماتها الجنرال عوض أحمد خليفة ولحنها وأداها الموسيقار المبدع عثمان حسين، والتي كانت جسرًا للسلام بين الجنرال عوض أحمد خليفة والرئيس الراحل المشير جعفر محمد نميري. وكان بينهما خلاف دفع الرئيس إلى إقالة الجنرال، لكنه عندما سمع الأغنية بصوت عثمان حسين، سأل عن كاتبها، فأجابه عثمان: “صاحبك عوض.” عندها أصدر نميري قرارًا بإعادة عوض أحمد خليفة إلى الخدمة، وترقيته إلى رتبة لواء. وعندما سأله بعض أفراد حاشيته عن سبب القرار، رد عليهم قائلاً: “إنها عشرة الأيام.”

وما أحوجنا اليوم إلى “عشرة الأيام” : نحن اليوم أحوج ما نكون إلى استلهام روح “عشرة الأيام”، وجعلها خارطة طريق لترميم انكساراتنا الوطنية، واستعادة وحدتنا، وعودة كل طائر مرتحل إلى عشه.

حروف أخيرة

ليه فجأة دون أسباب
من غير عتاب أو لوم
اخترت غيري صحاب
وأصبحت قاسي ظلوم؟

هان ليك فراقي خلاص
وأنا برضي حولك أحوم
كان عهدي بيك ترعاني
وأجمل صلاتنا تدوم

وغاية المحبة.. سلام.