“تصدع تحالف (تقدم): بين الولاء للدعم السريع والبحث عن الشرعية”

تقرير: مجدي العجب

المتتبع لخطوات التاريخ، وخاصة فيما يتعلق بالقوى السياسية المعارضة للأنظمة، يجد أن هذه الأحزاب لم تسِر موحدة لفترة طويلة، إذ غالبًا ما تكون تحالفاتها واصطفافاتها هشّة في مكوناتها. فالأحزاب ذاتها تتحالف ثم تتشظى، وكأن تحالفاتها موسمية، أشبه بشجر “الحراز” الذي يذبل مع قدوم الخريف ويصيبه الجفاف والتيبّس.

خلال فترة ما بعد سقوط نظام الإنقاذ، شهد تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير خروج عدد من الأحزاب الفاعلة. فبعد تجميد حزب الأمة القومي نشاطه، خرج الحزب الشيوعي، وهو من أكبر مكونات التحالف، ليتركه في مواجهة انقسامات حادة. ومع مرور الوقت، أصبح التحالف يضم أحزابًا توصف بأنها “خرطومية”، تفتقر إلى الامتداد الجماهيري والدور الخارجي والدائرة الانتخابية. ولو استثنينا حزب الأمة القومي، فإن البعث – وهو أحد مكونات التحالف – لم يحقق فوزًا انتخابيًا يُذكر في تاريخ البلاد.

الفراغ السياسي الذي خلّفه سقوط الإنقاذ فتح شهية الكثيرين للسلطة، إذ باتت تُمنح عبر سياسة “الجمهرة والصفقات”، مما مكّن فاقدي السند الجماهيري والكفاءة السياسية من شغل مناصب عليا في الدولة، وأسهم في تدهور الأوضاع حتى وصلت البلاد إلى ما هي عليه اليوم.

ظلت مجموعة “تقدم” المتشظية تُصمّ الآذان بصراخها، مدّعية أنها أكبر تجمع مدني قادر على قيادة الحراك، متناسية أن الشعب السوداني يدرك تمامًا ارتباطها بقوات الدعم السريع. ومؤخرًا، حاولت هذه المجموعة – وبغباء يُحسد عليه – الانشطار، في محاولة مكشوفة لذر الرماد في العيون. لكن الحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها هي أن “تقدم” انقسمت إلى فريقين، كلاهما ضد مصلحة الوطن؛ أحدهما ذهب صراحةً لدعم قوات الدعم السريع، والآخر ادّعى الحياد.

آراء وتحليلات حول الانقسام

الصحافية رشان أوشي، في قراءتها لموقف “تقدم”، ترى أن المجموعة فقدت نفوذها داخليًا وخارجيًا، وتحاول الآن لعب أدوار سياسية تعتقد بسذاجة أنها ستنطلي على الشعب السوداني. وأضافت أوشي في حديث لصحيفة “ألوان” أن السيناريو المدعوم خارجيًا هذه المرة جاء مضطربًا، إذ وضع بعض عناصر “تقدم” في مواجهة علنية مع الشعب، خاصة بعد تقدم القوات المسلحة واقترابها من تحرير الخرطوم، وهو ما وضع المجموعة في حرج أمام داعميها الخارجيين.

أما الكاتب الصحفي محمد المبروك، فذهب إلى أن الانقسام داخل “تقدم” لا يعني تغير موقفها من التحالف مع الدعم السريع، بل جاء على أسس جهوية وإثنية. وكتب المبروك في تدوينة على “فيسبوك” أن العناصر الشمالية داخل “تقدم” ستجد نفسها في وضع غير مألوف إن انخرطت في حكومة “دقلو-التعايشي” ذات الطابع الانفصالي.

من جانبها، رأت القيادية بحزب الأمة القومي رباح المهدي أن وجود مجموعة داخل “تقدم” تدعم تشكيل حكومة تابعة للدعم السريع كان سببًا رئيسيًا في شل حركة التيار الرافض للحرب والساعي للتفاهم مع أطراف النزاع. وقالت رباح في منشور على “فيسبوك”:
معظم هؤلاء مرتبطون بالدعم السريع بحبال سرية ومعلنة، ووجودهم ضمنكم كان يطعن في مصداقيتكم، مما جعل كيانكم ميتًا بمقياس الأهداف. فربما يكون في هذا الانقسام حياة لمبادئكم في وقف الحرب وإدانة انتهاكاتها بوضوح، بغض النظر عن الطرف المنتهِك.”

“تقدم”: بين التصدع وفقدان الشرعية

المحلل السياسي محمد تورشين وصف انقسام “تقدم” بأنه كان متوقعًا، نظرًا للتباينات في وجهات النظر حول العديد من القضايا، وليس فقط بشأن العلاقة مع الدعم السريع. وأضاف، في حديث لصحيفة “ألوان”، أن الانقسامات أصبحت سمة ثابتة للمشهد السوداني، تمامًا كما حدث مع قوى الحرية والتغيير التي انقسمت إلى المجلس المركزي والكتلة الديمقراطية.

وأوضح تورشين أن “تقدم”، منذ البداية، أبدت دعمًا واضحًا لقوات الدعم السريع، سواء عبر التصريحات أو من خلال الاتفاق الذي طُرح في أديس أبابا. لكن لاحقًا، ظهر تيار داخلها أدرك أن التأييد المطلق لهذه القوات قد يكون مكلفًا سياسيًا، خاصة مع تصاعد الإدانات المحلية والدولية بسبب الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في أنحاء السودان. ورأى هذا التيار أن الاستمرار في دعم الميليشيا قد يؤدي إلى عزلة سياسية، لذا فضّل تبني موقف أكثر حيادية، مع الحفاظ على علاقات معينة مع الدعم السريع.

أما المجموعة التي تمضي قدمًا في تشكيل حكومة موازية بدعم من قوات الدعم السريع، فهي تبدو أكثر ارتباطًا بمصالح هذه القوات، حيث يصعب عليها فك الارتباط نظرًا لتشابك المصالح العميق بينها وبين قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي). ورغم سعي هذه المجموعة للمضي في برنامجها السياسي، إلا أن قدرتها على تحقيق إنجازات فعلية تبدو محدودة، كما أن أي حكومة تفرضها على الأرض قد تفتقر إلى الشرعية والقبول الشعبي.

واختتم تورشين حديثه متسائلًا:
هل ستتمكن المجموعة التي اختارت الابتعاد عن الدعم السريع من بناء موقف سياسي مستقل يحظى بقبول واسع؟ أم أن هذه الخطوة مجرد مناورة ظرفية لن تغيّر كثيرًا من واقع المشهد؟

نقلاً عن الوان