لجنة تقصّي الحقائق الأممية: الحرب في السودان أكثر تعقيداً ووحشية واتخذت أبعاداً عرقية

رصد: رقراق نيوز

أكدت لجنة تقصّي الحقائق الأممية المعنية بانتهاكات حقوق الإنسان في السودان أن الحرب المستعرة منذ أبريل 2023 باتت تتسم بـ”تعقيد متزايد ووحشية مفرطة واستمرار دموي”، محذّرة من أنّ النزاع اتخذ أبعادًا عرقية مقلقة، بينما يستمر المدنيون في دفع الثمن الأكبر للقتال بين أطراف النزاع.

جاء ذلك في إيجاز شفهي قدّمته البعثة الأممية أمام الدورة الـ59 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، حيث أشار العضو في اللجنة شاندي محمد عثمان إلى أن حماية المدنيين لا تزال “ضعيفة للغاية”، مؤكدًا أن “لا سلام دائم دون عدالة ومحاسبة”.

وكان المجلس الأممي قد مدد ولاية اللجنة لمدة عام إضافي في أكتوبر الماضي، موكلاً إليها خمس مهام رئيسية: التحقيق في الانتهاكات، وتوثيق الأدلة، وتحديد المسؤولين، والتعاون مع الجهات القضائية، وتقديم توصيات لتعزيز المساءلة وإنصاف الضحايا.

تصاعد الانتهاكات وتدهور الوضع الإنساني

أشارت اللجنة إلى تصاعد الاشتباكات بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، واتهمت الجانبين، إلى جانب ميليشيات متحالفة، بارتكاب “انتهاكات جسيمة للقانون الدولي” تشمل القصف العشوائي، والعنف الجنسي واسع النطاق، والتهجير القسري، وعرقلة إيصال المساعدات الإنسانية، ما يفاقم خطر المجاعة، لا سيما في إقليم دارفور.

ووصفت عضوة اللجنة منى رشماوي الحرب بأنها “تُشنّ على أجساد النساء والفتيات”، مؤكدة أن العنف الجنسي أصبح أداة ممنهجة، خاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة الدعم السريع، حيث تم توثيق حالات اغتصاب فردي وجماعي، واختطاف، واستعباد جنسي، وزيجات قسرية ترقى إلى مستوى العبودية الجنسية.

كما وثّقت اللجنة تصاعد حالات العنف الجنسي حتى داخل معسكرات النزوح المفترض أنها آمنة، وأكدت بيانات صادرة عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة أن طلبات الدعم للناجيات من العنف الجنسي ارتفعت بنسبة 288% بين ديسمبر 2023 وديسمبر 2024، في حين رجحت أن الأرقام الحقيقية أعلى بكثير بسبب الوصمة والخوف من الانتقام.

“الجوع كسلاح”… واستهداف المستشفيات

اتهمت رشماوي القوات المسلحة بفرض قيود بيروقراطية مشددة على حركة الإغاثة، بينما تعمد قوات الدعم السريع إلى اعتراض القوافل ومنع وصول المساعدات، معتبرةً أن حصار الإغاثة أداة مقصودة في سياق الحرب.

وأضافت: “ما يحدث ليس أزمة إنسانية فحسب، بل كارثة كبرى، تُستخدم فيها المجاعة كسلاح”. ونددت باستهداف المرافق الصحية، من بينها مستشفى الفاشر السعودي ومستشفى الأبيض، معتبرةً أن الهجمات تمثل انتهاكاً صريحاً للقانون الدولي الإنساني، كما أدّت إلى مقتل أكثر من 100 عامل إنساني وطبي، بينهم خمسة موظفين من الأمم المتحدة في قافلة كانت متجهة إلى الفاشر هذا الشهر.

معاناة المدنيين واستمرار الإفلات من العقاب

أوضح شاندي عثمان أن اللجنة لم تتمكن من دخول السودان أو بعض دول الجوار بسبب المنع الرسمي، لكنها أجرت زيارات ميدانية إلى يوغندا وتشاد وإثيوبيا، شملت 240 مقابلة وتحقيقًا في ثماني حالات اعتداء، إلى جانب جمع وتحليل 110 مواد موثقة.

واتهم الطرفين باستخدام أسلحة مختلفة وارتكاب جرائم دولية خطيرة، وسط تدهور كامل لسيادة القانون، بحسب التقرير.

في المقابل، دعا النائب العام السوداني إلى عدم تمديد ولاية لجنة تقصّي الحقائق الأممية، مشددًا على ضرورة تعزيز التعاون مع اللجنة الوطنية للتحقيق، كما طالب بتصنيف قوات الدعم السريع “منظمة إرهابية”.

قلق أممي ونداءات عاجلة

من جانبه، أعرب المفوض السامي لحقوق الإنسان، في خطابه الافتتاحي للدورة الحالية، عن قلقه العميق تجاه الوضع في السودان، وخصّص فقرتين كاملتين للحديث عن تصاعد الفوضى والانتهاكات، وغياب سيادة القانون، مشيرًا إلى ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين ولا سيما في ولايات دارفور وكردفان.

ولفت إلى أن معظم القتلى سقطوا على يد القوات النظامية تحت ذريعة التعاون مع الدعم السريع، رغم أنهم مدنيون عزل. واعتبر الوضع الإنساني في الفاشر “مرعباً”، وسط حصار خانق وانتهاكات ممنهجة، خاصةً الجرائم الجنسية والهجمات على فرق الإغاثة.

ودعا المفوض السامي إلى وقف فوري لتوريد الأسلحة إلى أطراف النزاع، ومحاسبة مرتكبي الجرائم، وإنهاء الأزمة الإنسانية المتفاقمة في البلاد.

فعاليات مرتقبة في جنيف

من المتوقع أن تشمل أعمال الدورة الـ59 لمجلس حقوق الإنسان فعاليات جانبية تركّز على السودان، في ظل استمرار الحرب منذ أكثر من عامين، وتصاعد المخاوف من انزلاق البلاد إلى مرحلة انهيار شامل على المستويات الأمنية والإنسانية والاجتماعية.