“الشجن”في الغناء السوداني: صنعوا شلالات للفرح من قمة الألم

توثيق: رقراق نيوز
الشجن هو “الهم” و”الحزن”، وجمع الكلمة “شجون” وأشجان”، كما أن له معاني أخرى مثل “الغصن المشتبك” ولذلك يقال: “هذا حديث ذو شجون”، أي أنه حديث متفرع ومتشعب يستدعي بعضه بعضاً، والشجن أيضاً هو الحاجة الشاغلة، “شجنته أمور الدنيا” أي أهمته وشغلته ويُقال “شَجِن” بكسر الجيم أي “مهموم”، أتخذ عدد من الشعراء “الشجن” مصدر إلهام للعديد من القصائد، والمعني الجمالي لنظم الشعر عن الشجن للتعبير عن اللوعة واللهفة والشوق للمحبوب.
شجن
وفي السودان كان “الشجن” هو الأغنية حيث كتب الشاعر المرهف حسين بازرعة اغنية “شجن” وبازرعة يكتب بقلبه الكلمات، ويترجمها عثمان حسين في أحساسه لتكون إلياذة من إلياذات الغناء السوداني، وهذا ما جعل الثنائية بينهم الى حد أن ذكر أحدهم ياتي ذكر الأخر تلقائياً، لذا جاءت جميع الأعمال الغنائية لحسين بازرعة بذات النغم والحس والشجن، فكتب:-
لى متين يلازمك في … هواك مر الشجن
ويطول بايامك سهر … ويطول عذاب
يا قلبـــى لوكانت … محبتــــه .. بالثمن
يكفيك هدرت عمر … حرقت عليه شبابك
لكن هواه أكبر … وما كــــان ليه ثمن
والحسرة ما بتنفع … ومــــا بجدى العتــــاب
وشجن بازرعة يحمل من عتاب ولوم ومسامحة في ذات الوقت وعتابه دائماً يكون ناعماً لا يجرح الحبيب ولا يحمل إستعطاف يكون مصحوباً بالغفران والرضاء بل يمجد الحب على العتاب وفي مقطع أخر يقول :-
اغفـــر لــه يا حنيــِّن … وجــاوز لـــو ظلم
ما اصلها الأيام مظالم والعمــر غمضة ثواني
واصبر على جرحك … وإن طــــال الألم
بى جراحنا بى أشواقنا … بنضوى الزمن
انا عارفه بكره بيعود … فى رعشـــة ندم
ننسى الحصل بيناتنا … والسهر اللى كان
رغم هجران الحبيب له يظل متمسكاً بالحب وكله امل بأنه غداً سيعود لا يهمه من ذلك سوى نسيان الهجران وهي قمة الحب.
الشجن الأليم
الشاعر صلاح حاج سعيد شاعر رقيق الكلمات كتب للفنان مصطفي سيد أحمد “الشجن الأليم” وهي واحدة من أجمل الإغنيات كتبها صلاح بذات أحساس العتاب الجميل وأدها مصطفي سيد أحمد جعل تلك الكلمات تتحول من قمة الألم الى ضجة فرح ترقص على إنغامها الحمائم.
عارفني منك لا الزمن بقدر يحول قلبي عنك
لا المسافة ولا الخيال يشغلني منك
عارفني منك …… عارفني منك”صلاح حاج سعيد بتلك الطافة التي عرفت عنه والتي يلتمسها السامع في جميع أغنياته يحيل ألم الشجن الى المحبوب بان يضعه معه في ذات خانة اللهفة والأنتماء “عارفني منك” ليكون العتاب في صيغة تسائل فلا يؤلم المحبوب:-
تحرمني منك والمواعيد لا بتجيب منك تودي
لا الشجن قادر يشيلني عليك أعدي
لا التحايا ولا المشاعر الحيه في جوه الحنايا
لا رسالة تجيني منك لا خبر طمني عنك
وأنت سايق فيني ظنك رغم أنك أنت عارف أنه منك
لا الزمن بقدر يحول قلبي عنك
لا المسافة ولا الخيال يشغلني منك
عارفني منك
في جانب أخر من ذات “الشجن” يدفع صلاح حاج سعيد سوء الظن عن الحبيب في المقطع الذي “غصب عني أزيح ظنوني وأقول عليك أنت المسامح فوق شجوني” لا يفارقه الالم لكن لا يريد أن يرمي بالعتاب وتحمل مسؤولية الهجر لذا يطلب منه بأن يبقي على العهد وتمثل قمة المسامحة، مع التأكيد على ألتزامه هو بالعهد دائماً:
يا هوى الألم النعيم خليك على الوعد القديم
وخليني في الشجن الأليم
وأبقى في كل المدائن سكتي وسفري الجحيم
تبقى أيه الدنيا من بعدك تكون وأبقى أيه من بعدك أكون
مافي إحتمالي وبالي إنك أنت سايق فيني ظنك
رغم إنك أنت عارف أنه منك
لا الزمن بقدر يحول قلبي عنك
لا المسافة ولا الخيال يشغلني منك
عارفني منك
شجون
الشاعر محمد عثمان كجراي والذي ينتمي إلى ذات الجغرافيا التي ينتمي إليها بازرعة سطر أحد أروع الأغنيات ذات الشجن العالى، أدها الفنان إبراهيم حسين بذات الاحساس الرائع وكجراي له أسلوب خاص في بث العتاب لكنه لا يخاصم وهذا بادئ في اغلب أغنياته على سبيل المثال “مافي داعي” والتي أبدع فيها الموسيقار محمد وردي، وبالعودة الى شجون يضع المحبوب فوق العتاب بل ويأمر قلبه بالصبر والتمسك بأمل اللقاء:-
خلاص يا قلبي كان خاصم
ضميرو يحاسبو خليه
تمر أيّام وينسى غرورو
ويلقى هوانا راجيه
وكجراي له سحر غريب في أتجرار الفرح من قمة الالم وظهر ذلك جلياً في هذه الأغنية في المقطع الذي يقول فيه:-
بدل ما نحن بنعاتب
بنفرح يوم يعاتبنا
ونسأل عنّو كان طوّل
وما هامّيه كان غبنا
حرام ترمينا للأيّام
حنانك يا معذّبنا
وهنا تتجلي روعة شعراء تلك الحقبة التي أوجدت بازرعة وكجراي وصلاح حاج سعيد وغيرهم بأن الغفران هو السمة الأبرز على هجر المحبوب، بعضهم يحدوا أمل العودة دون رجاءات وتعويله الأول على ضمير المحبوب بل على الحب نفسه، والبعض الأخر يجتر الرجاءات علها توصله إلى محبوبة مرة أخرى وهو الطريق الذي سلكه صلاح وكجراي بأن باب العودة ما زال مشرعاً:-
نحلّف قلبك القاسي
بكلّ حنان مودّتنا
بأفراحنا وبأشواقنا
وبي لهفة محبّتنا
رضينا عذابك في حبّك
حرام تتناسى ريدتنا