المؤتمر الإنساني بأديس أبابا: جدل السيادة السودانية واتهامات التدخل الخارجي

رصد: رقراق نيوز
قاطعت حكومة السودان المؤتمر الإنساني رفيع المستوى لشعب السودان، الذي عُقد الجمعة في مقر الاتحاد الأفريقي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بمشاركة دولة الإمارات وكينيا وإثيوبيا، إضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس الاتحاد الأفريقي.
واعتبرت حكومة السودان أن المؤتمر تدخل سافر من دولة الإمارات في الشأن الداخلي السوداني ويطعن في سيادة البلاد. وكان نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، قد أصدر بيانًا أدان فيه عقد الإمارات للمؤتمر في الاتحاد الأفريقي، داعيًا الاتحاد إلى تحمل مسؤولياته تجاه الدول الأعضاء.
وأعربت مفوضية العون الإنساني بالسودان، في بيان رسمي، عن إدانتها الشديدة للاجتماع الذي عُقد في أديس أبابا لمناقشة الوضع الإنساني في السودان، معتبرة أن مشاركة غوتيريش وفكي في هذا الاجتماع يُعد تواطؤًا مع الإمارات في محاولتها تلميع صورتها كفاعل إنساني، رغم دورها الأساسي في تأجيج الأزمة السودانية من خلال دعم وتسليح مليشيا الدعم السريع.
في المقابل، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى وقف تدفق الأسلحة إلى السودان، مجددًا دعوته لأطراف النزاع إلى ضرورة وقف العدائيات.
وتُتهم عدة دول، من بينها الإمارات العربية المتحدة وإيران، بتوفير الأسلحة لأطراف النزاع العسكري في السودان المستمر منذ 15 أبريل 2023.
وقال غوتيريش، لدى مخاطبته المؤتمر، إن “تدفق الأسلحة والدعم الخارجي يجب أن يتوقف، لأن ذلك يؤدي إلى استمرار الدمار المدني الهائل وسفك الدماء”.
وأوضح أن الشعب السوداني يريد وقف إطلاق النار الفوري وحماية المدنيين، مشيرًا إلى أن مبعوثه الشخصي، رمضان لعمامرة، يتواصل مع الأطراف المتحاربة بشأن سبل ملموسة لتعزيز هذين الهدفين، بما في ذلك التنفيذ الكامل لإعلان جدة.
دعوات أفريقية للحل السياسي ووقف الحرب
من جهته، قال رئيس مجلس السلم والأمن الأفريقي الحالي، رئيس غينيا الاستوائية، تيدور أوبيانج، إن الأزمة في السودان تتطلب حلاً فوريًا في ظل تدهور الوضع الإنساني.
وشدد أوبيانج على ضرورة إطلاق حوار لحل الأزمة، مؤكدًا أنها أصبحت معقدة بشكل متزايد، محذرًا من أن الحرب أدت إلى أوضاع كارثية وموت الآلاف وتدمير البنى التحتية، ما يتطلب تدخلًا إنسانيًا سريعًا.
وأكد أن السودان يواجه صورة قاتمة، ويجب إيجاد حل لإنهاء معاناة الشعب المنكوب، داعيًا إلى وقف مباشر لإطلاق النار دون شروط، وتعزيز التعاون مع الأمم المتحدة والفاعلين الدوليين لإطلاق مسار سلام شامل.
كما شدد على أهمية وضع إجراءات لحماية المدنيين وضمان إيصال المساعدات الإنسانية دون أي مضايقات أو تضييق، كاشفًا عن إعداد تقرير للمجلس حول أوضاع المدنيين في السودان، ودعا إلى وقف إطلاق النار وهدنة إنسانية لتسهيل أعمال الإغاثة وتهيئة الظروف لحوار شامل.
وأشار إلى أن الأزمة السودانية لا ينبغي حلها عبر العسكريين، بل من خلال تنسيق الجهود لتكريس سلام دائم والعودة إلى حكومة مدنية.
فكي: الحرب تهدد السودان والمنطقة بالانهيار
من جانبه، قال مفوض الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، إن الأزمة في السودان غير مسبوقة، مؤكدًا أن الاتحاد الأفريقي، بعد انقلاب 25 أكتوبر الذي نفذه الجيش، بذل كل الجهود الممكنة للعودة السريعة إلى المسار الديمقراطي، لكنه حذر العسكريين من تداعيات هذا الانقلاب.
وأضاف: “لقد توقعنا اندلاع هذه الحرب للاستيلاء على السلطة، لكننا نحذر الآن من أن استمرارها يهدد السودان والمنطقة بأكملها بالانهيار”.
وأشار إلى أن السودان يشهد عمليات قتل وتدخلات أجنبية متزايدة، ولا يمكن حل هذه الأزمة عسكريًا، داعيًا إلى توحيد الجهود لوقف إطلاق النار في أقرب وقت ممكن، وتقديم المساعدات الإنسانية لملايين المحتاجين.
كما حذر من أن هناك حربًا بالوكالة في السودان، ولا بد من التحرك السريع لإنهاء هذه المأساة.
مساعدات إماراتية وإثيوبية وكينية للسودان
فيما أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة عن تقديم مساعدات إنسانية إضافية بقيمة 200 مليون دولار لدعم الشعب السوداني، داعية إلى وقف إطلاق النار خلال شهر رمضان.
وأكد وزير الدولة الإماراتي، شخبوط بن نهيان آل نهيان، في كلمته الافتتاحية، التزام بلاده بمواصلة دعم السودان، مشيرًا إلى أن الإمارات قدمت سابقًا نحو 400 مليون دولار لدعم السودانيين داخل البلاد وفي معسكرات اللجوء، إضافة إلى أكثر من 3.5 مليار دولار خلال العقد الماضي.
كما أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، عن تقديم بلاده 15 مليون دولار كمساعدات إنسانية، مؤكدًا دعم إثيوبيا لحل سياسي شامل بقيادة سودانية، مشددًا على أهمية التضامن الدولي لضمان وصول المساعدات الإنسانية، ومعربًا عن أمله في تحقيق السلام قبل حلول شهر رمضان.
بدوره، وصف الرئيس الكيني، وليام روتو، النزاع في السودان بأنه تحول من صراع سياسي إلى حرب عبثية، مؤكدًا أن الحل العسكري لن يؤدي إلى إنهاء الأزمة. كما أعلن عن تقديم كينيا مليون دولار لدعم الشعب السوداني، مجددًا دعوته إلى إيجاد تسوية سلمية شاملة بمشاركة جميع الأطراف.
الموقف السوداني: تنديد ورفض للتدخلات الخارجية
وأكدت مفوضية العون الإنساني أن الكارثة الإنسانية التي يعيشها السودان حاليًا هي نتيجة مباشرة للحرب التي تشنها مليشيا الدعم السريع، محملة الإمارات مسؤولية مباشرة في استمرار هذه المأساة من خلال تمويلها وتسليحها المستمر للمليشيا.
كما استنكرت محاولة استغلال معاناة السودانيين لأغراض سياسية، واستخدام المساعدات الإنسانية كغطاء لشرعنة التدخل الإماراتي في الشأن السوداني، معتبرة ذلك انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية ولقرارات مجلس الأمن، ولا سيما القرار 2736، الذي ينص على ضرورة فك الحصار عن الفاشر وعدم عرقلة إيصال المساعدات.
وأضاف البيان: “إن تسييس العمل الإنساني وتحويله إلى أداة ضغط سياسي عبر إشراك جهات سودانية منحازة للإمارات ومليشيا الدعم السريع، يزيد من تعقيد الوضع الإنساني ويضاعف معاناة المدنيين”.
وفي السياق ذاته، هاجم حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، الاتحاد الأفريقي بسبب تنظيمه هذا المؤتمر، متسائلًا في تغريدة على حسابه الرسمي: “إلى متى سيستمر هذا التساهل والانتهاك للسيادة والتدخل في شؤون الآخرين؟”.