بشارة سليمان نور في حوار: الأطارى أشعل الحرب، وهذا ما قاله حميدتي في أخر لقاء

حوار – خضر مسعود

سياسي من الطراز الفريد، يقول الحق ولو على نفسه، وكان له تأثير واضح خلال الحرب الدائرة في السودان. الأستاذ بشارة سليمان نور عبد الرحمن، مستشار رئيس حركة العدل والمساواة بقيادة الدكتور جبريل إبراهيم، كان أول من أعلن وقوفه إلى جانب الجيش السوداني في حربه ضد مليشيا الدعم السريع. كما لم يتردد في انتقاد موقف الحركة المحايد في بداية الحرب، مؤكداً رفضه لأي حياد في قضايا الوطن، وهو قيادي وحدوي من الطراز الأول وصاحب معلومات عميقة حول مدار السياسية السودانية داخلياً وخارجياً.

بشارة سليمان رجل ذو دراية عميقة بتعقيدات الجوار الإفريقي الغربي وتأثيره على مجريات الحرب، مما جعله شاهداً على الأحداث منذ بداياتها. في هذا الحوار مع صحيفة “ألوان”، يكشف بشارة سليمان عن رؤيته للحرب، تفاصيل ما قبل اندلاعها، وتحليل لمجريات الأحداث.

 

أسباب الحرب وتحذيرات ما قبل اندلاعها

كيف تنظر إلى الحرب في السودان؟ وما هي الأسباب الحقيقية من وجهة نظرك؟

كل الإرهاصات كانت تشير إلى اندلاع هذه الحرب، وكان العقلاء من قادة الجيش والقيادات السياسية يسعون إلى تفاديها. أذكر أن الفريق مفضل، مدير جهاز الأمن، كان من أكثر المهتمين بمنع اندلاعها، حتى أنه شكّل لجنة من أعيان دارفور والخرطوم لمحاولة إيقافها. كما أن قادة اتفاق سلام جوبا، مثل د. جبريل، مناوي، وعقار، بذلوا جهوداً كبيرة لتجنبها.

لم أفاجأ بالحرب، لأنني كنت على دراية بتحركات الدعم السريع. كانت لي علاقات مع المقربين من حميدتي، بل التقيت به شخصياً يوم الأربعاء 12 أبريل، أي قبل اندلاع الحرب بثلاثة أيام فقط، حيث دعاني إلى منزله وطلب مني إقناع د. جبريل إبراهيم بالتوقيع على الاتفاق الإطاري. قال لي: “أحسن ليكم توقعوا وتحفظوا ماء وجهكم”، فأجبته بأننا لم نرق ماء وجهنا أصلاً، مضيفاً أنني حاربت الدولة 17 عامًا من أجل قضية آمنت بها، لكنني الآن لا أريد حربًا أخرى.

حذرته من أن رئيس مجلس السيادة لن يوقع على الاتفاق إلا بتوافق كل السودانيين، وقلت له: “هذا سيقود إلى انشقاقات كبيرة وربنا يستر، لكن مهما حدث، تجنبوا الحرب”. غير أنني تأكدت من نيتهم إشعالها حين جاء إليّ بعض قادة الدعم السريع وطلبوا مني إحضار هواتف الثريا، قائلين إن الاتصالات ستتوقف في البلاد عند اندلاع الحرب.

استعدادات الدعم السريع وتحركاتهم قبل الحرب

قبل الحرب، قام عبد الرحيم دقلو بإحضار 22 آلية مدرعة ومصفحة من منطقة الزرق وأدخلها إلى الخرطوم، إلى جانب احتلال مطار مروي. كما أن الدعم السريع كان يحشد قواته في العاصمة، وخدع بعض جنوده بإبلاغهم أنهم ذاهبون إلى اليمن، بينما كانوا في الواقع يتمركزون لبدء الحرب.

كيف كان وضع الجيش عند اندلاع الحرب؟ وأين كنت في ذلك الوقت؟

انطلقت الرصاصة الأولى وكانت استعدادات الجيش أقل، لكن حنكة القيادة العسكرية وخبرتها وصبرها، خاصة وأن أغلب القادة كانوا محاصرين، حالت دون انهيار الدولة. قيادات مثل البرهان، كباشي، ياسر العطا كانوا محاصرين في القيادة العامة والمدرعات والمهندسين وسلاح الإشارة، بل حتى في وادي سيدنا.

كنت في منزلي بـ المعمورة بالقرب من المدينة الرياضية عند اندلاع الحرب. في يوم 20 أبريل، كوّنت غرفة عمليات من ستة أشخاص لجمع المعلومات من مناطق الخرطوم المختلفة، كنا نقوم بتحليلها وإرسالها إلى قيادة الجيش، الاستخبارات، وأحيانًا المخابرات، حتى مكتب البرهان الذي كان محاصرًا ويتعرض للهجوم يوميًا. كذلك كنا نوصل المعلومات إلى رئيس حركة العدل والمساواة د. جبريل إبراهيم لإيصالها إلى الجهات المختصة. استمرينا في هذا العمل طوال شهر، ثم قررنا الخروج من الخرطوم.

دور اتفاق سلام جوبا في دعم الدولة خلال الحرب

ما لا يعرفه الكثيرون هو أن قادة اتفاق جوبا مثل د. جبريل إبراهيم، مالك عقار، مني أركو مناوي، والتوم هجو، عقدوا لقاءات في سكر سنار لبحث كيفية إدارة الدولة وسط الأزمة. قرروا الانتقال إلى بورتسودان لتسيير الحكومة، وكنتُ ضمن الوفد الذي ذهب مع د. جبريل إلى هناك في منتصف مايو.

بعد وصولنا بيومين، بدأ د. جبريل في تفعيل وزارة المالية، باعتبارها من أهم الوزارات، وجمع الموارد المالية لدعم المجهود الحربي، مما ساهم بشكل كبير في عدم انهيار الدولة. هذه الخطوة كانت في المرتبة الثانية بعد ثبات القيادة العسكرية..

كنت من أوائل المنادين بقتال الدعم السريع ولم تقبل فكرة الحياد التي تبنتها الحركة في بادئ الأمر؟

أنا لم أكن محايدًا منذ إطلاق أول رصاصة، بل كنت مع الجيش، وهذا موقف شخصي أعلنته دون استئذان الحركات، ولا حتى حركتي التي أنتمي إليها، “حركة العدل والمساواة”. هذه مسألة وطنية تتعلق بمستقبل البلاد، وخرجت في التلفزيون وانتقدت موقف حركات الكفاح المسلح. كان موقفي واضحًا: ما تقوم به المليشيا هو جريمة حرب، تفتيتٌ للوطن، وتقتيل واغتصاب لحرائر السودان، وهو أمر لا يمكن قبوله. سنقاتل في كل شبر من السودان، سواء في الفاشر أو الفشقة. أنا أؤمن بسودان واحد يمتد من الجنينة غربًا إلى بورتسودان شرقًا، ومن الشمال إلى الجنوب. أنا رجل وحدوي، وأرفض فكرة تعدد الجيوش، فلا يمكن أن يكون لكل شخص جيش وسلاح، بل يجب أن يكون هناك جيش واحد هو “القوات المسلحة السودانية”، إلى جانب القوات النظامية الأخرى.

هل سعيتم لإقناع الدعم السريع أو بعض القيادات بالانسحاب من الخرطوم؟

نعم، بذلنا جهودًا كبيرة لإقناع عدد منهم بالانسحاب من الخرطوم عبر الإغراءات، وشراء العربات، وحتى بالمال، وذلك لتخفيف وجودهم في العاصمة. استغرق هذا الأمر وقتًا طويلًا، لكن في نهاية المطاف نجحنا في إقناع العديد منهم. وأتوقع أن أبناء غرب كردفان وجنوب كردفان، خاصة من قبائل المسيرية والحوازمة، سينسحبون نهائيًا من الدعم السريع، مما سيؤدي بلا شك إلى تحجيم وجود التمرد في كردفان.

هل اقتربت نهاية التمرد؟ وهل نشهد انقسامات في صفوفه؟

التمرد يقترب من نهايته، وخلال الأيام القليلة القادمة سينحسر وجوده في الجزيرة والخرطوم. قد يأخذ بعض الوقت في غرب وجنوب كردفان، لكني أعتقد أن الدعم السريع سيحاول خلق حواضن جديدة في بعض مدن دارفور، خاصة في جنوب دارفور، نظرًا لانفتاح الحدود مع أفريقيا الوسطى. كما أن المثلث الحدودي بين تشاد والسودان وأفريقيا الوسطى يحتوي على حواضن قبلية، بالإضافة إلى الطبيعة الجبلية والوديان التي تساعد على انتشارهم هناك. ومع ذلك، لن يكون لهم موطئ قدم في شمال دارفور، ولن تسقط الفاشر، حيث تتحرك متحركات عسكرية كبيرة صوبها.

صمود الفاشر كل هذه الفترة.. ما الدافع لذلك؟ وما أهميتها للدعم السريع؟

الفاشر صامدة وستظل عصية عليهم، وإصرارهم على الاستيلاء عليها ليس بدافعهم الشخصي، بل هو مطلب الكفيل. سأكون صريحًا: فرنسا دعمت التمرد في وقت ما، وبريطانيا بشكل غير مباشر، وجزء من الأمريكيين، إلى جانب الإمارات. الأخيرة أصرت على إسقاط الفاشر بعد فشلها في السيطرة على الخرطوم. هذه مؤامرة دولية تهدف إلى فصل دارفور وخلق أزمة حقيقية، كما حدث في ليبيا عندما فُصل شمالها عن جنوبها، أو في اليمن الذي تم تقسيمه. الإمارات تدخلت أيضًا في تونس وأسقطت الثورة هناك، ودعمت خليفة حفتر في ليبيا، والآن ليبيا منقسمة. لا أعلم ماذا تريد الإمارات، ولكن هناك من يتهمها بتنفيذ أجندة صهيونية تابعة لمجموعة “الأنجلوساكسون”. يقولون إنها تدافع عن مصالحها، لكني لا أفهم ما هي مصلحتها في قتل الشعب السوداني.

أعتقد أنهم هُزموا في السودان، لكنهم لا يقبلون الهزيمة، لذا يصرون على إسقاط الفاشر. وأنا بصدد إطلاق مشروع كبير يجب أن يتبناه كل السودانيين، تحت اسم الذاكرة السودانية، حيث سنقيم متحفًا قوميًا نوثق فيه تآمر الإمارات على السودان، على غرار الذاكرة الرواندية والسوريين الذين وثقوا جرائم الحرب ضدهم. سنعمل على إنشاء ذاكرة سودانية، وهذا مشروع أنا مهتم به جدًا.

هل تتوقع نهاية قريبة للحرب؟

الحرب الآن في نهاياتها، حيث يجري الزحف نحو الخرطوم وتطهير مناطقها بشكل جيد. الجزيرة ستُعلن خلال أيام منطقة خالية من التمرد تمامًا، وسيتم تأمين الطريق من كوستي إلى الأبيض والدبيبات وحتى الدلنج. خلال فترة قصيرة، سيكون هذا الطريق سالكًا، خاصة وأن القبائل العربية في جنوب وغرب كردفان قررت إبعاد الدعم السريع من مناطقها نهائيًا. لديّ اتصالات مع عدد من قيادات هذه القبائل، وهي منطقة مهمة جدًا للسودان، إذ تتاخم دارفور وتحتوي على موارد كثيرة. هذه القبائل سودانية أصيلة، حتى وإن كانت هناك خلافات فيما بينها، فإنها ستحل بالحوار، لكن الأهم بالنسبة لي هو تطهير هذه المنطقة من التمرد، وهذا سيكون قريبًا.

بعد انقطاع العلاقة بين تلك القبائل والدعم السريع، ستتبقى دارفور، خاصة جنوبها وغربها وشمالها. وأعتقد أنه لم يحدث أن توحد الوجدان السوداني يومًا كما توحد الآن لإنقاذ دارفور، خصوصًا الفاشر. لم يحدث في تاريخ السودان مثل هذا الالتفاف الوطني. الحرب بالنسبة لنا انتهت، لكن التحدي القادم هو كيفية التعامل مع دول الجوار بعد الحرب.

ونواصل ..