رمضان أحلى في السودان

 حروف مبعثرة | خضر مسعود

هلّ علينا شهر رمضان الفضيل ونحن أكثر فرقةً وشتاتًا، وبلادنا ترزح تحت ويلات الحرب والنزوح واللجوء. ورغم تقدم القوات المسلحة في ميادين القتال، إلا أن ما فقدناه لن يُعوّض قريبًا، فقد سلب منا تتار العصر الطمأنينة والأمان وكل الأفراح. نسأل الله في هذه الأيام المباركات أن يعيد السودان آمنًا مستقرًا، وأن يرزق أهله من الطيبات.

لرمضان في السودان طقوس وعادات وتقاليد سمحة بسماحة أهله وطيبتهم. تبدأ التجهيزات مبكرًا بـ”عواسة الحلومر” وإعداد مستلزمات المائدة السودانية، إلى جانب تنظيف الشوارع و”الضرا” استعدادًا لاستقبال الشهر الكريم. لا شيء يضاهي جمال لمة “ضرانا” في رمضان، حيث يجتمع الأهل والأحباب والجيران، ويفطر الجميع في الشارع ليتشاركوا الطعام مع عابري السبيل. كم نفتقد تلك اللمات المحببة! لا فرق في أي مكان تتناول فيه الإفطار، فالجميع أهل.

أذكر ذات مرة عندما كنت عائدًا من الجريدة، وقد اقترب موعد الإفطار، كنت أسرع إلى بيتنا في “الدخينات” بالكلاكلة، وعند نهاية الشارع رأيت “ضرانا”، وصينيتي قد سبقتني إليه. وقبل أن أصل، قطع عليّ أحد الجيران الطريق وأصرّ أن أفطر معهم وهم في أول الشارع، وقال لي بكل عفوية وجمال: “الليلة ما حتفطر في صينيتكم، تفطر معانا هنا”. هكذا كنا وتفرقنا.

رغم حرارة الطقس، يظل نهار رمضان ممتعًا، حيث يمضي أغلب الناس وقتهم في المساجد بين الصلاة والتلاوة، بينما نقضي نحن الصحفيين نهارنا بين الجريدة والعمل ومطاردة الأخبار. أما إفطار الصحف فله حكاياته؛ بعض الصحف تعد مائدة عامرة، بينما تكتفي أخرى بمائدة متواضعة تُستكمل من السوق القريب، ومعها الكثير من الأحاديث والأنس الجميل.

قهوة الإفطار لمدمني القهوة طقس لا غنى عنه، فكنا في الجريدة نتسابق للظفر بمقعد جوار “حاجة زينب” لنحتسي أول كوب من القهوة البكر، ونعدل المزاج مع بعض الدندنات على تلك “البنابر” الأثيرة.

أما ليالي رمضان، فهي حافلة بالأنس والفن والأدب. من أجمل اللقاءات كانت إفطارات شارع النيل، ولمة الصحفيين في الساحة الخضراء، وشارع الجرائد، وقهوة “وارقو” بجلساتها الممتعة، إلى جانب برنامج خيمة الصحفيين. لا أنسى ليالي توتي، حيث كنا نجتمع على ضفاف النيل الأزرق تحت كبري توتي، قبالة برج الفاتح، نستمع إلى أغاني الحقيبة. وليالي أم درمان في نادي شباب أم درمان، حيث تعزف جميل الأغنيات. كنا نجوب العاصمة الخرطوم في ليالي رمضان، نستمتع بالأجواء ونلتقي الأصدقاء.

ومن أجمل برامج رمضان في الإذاعة السودانية: الفترة المفتوحة، يوميات سائق تاكسي، الحاج مذكر، ودراسات في القرآن الكريم. أما على شاشة التلفزيون، فكان برنامج أغاني وأغاني في قناة النيل الأزرق، بالإضافة إلى العديد من البرامج على القنوات السودانية.

هل تعود تلك الأيام؟ وهل نعود كما كنا؟
رمضان في أي مكان بارد كبرودة الطقس، وصاخب وماتع كحرارة أجوائنا السودانية. وكلما أبعدتنا الليالي، ازددنا تعلقًا وحبًا لتلك البلاد التي تخصنا، وكل ما فيها يخصنا.

حروف أخيرة

منعم يا فريد عصرك سعيد أو سعيدة ساعاتـــــــك
مُكمل يا نزيه أو صافي وعفافك فطري ما فاتــــــك
وديع وبديع مثال راقي، حشيم والريم هوي صفاتـــــك
أسرت فؤادي يا ضامر، ودمعي خضاب في كفاتــــك
زيد يا دمعي في سيلك، وزيد أو زيد يا صدري زفراتـك
حبيبك ودعك راحل، زيد يا طرفي عبــــــــراتــــــــك
حمام الأيك حن مرة، تعال اسمعني نبراتــــــــــــــك
طريت أم در مقر أملي، زماني كفاك عباراتــــــــــــك